« فَيْضُ الخَوَاطِر »

(أخوك من إذا ذكرته ذكرت محاسنه) كتب أبو الحوراء إلى صديق له: "الله يعلمُ أنك ما خطرتَ ببالي في وقتٍ من الأوقات إلَّا مثَّل الذكر منك لي محاسن تزيدُني صبابةً إليك، واغتباطًا بإخائك" • الصداقة والصديق، لأبي حيان.

"اعلم أنه لا خير في أمرٍ، إن لم يتحقّق المقصد المرجو منه، وإن كان ظاهره وبَدؤُه يبينُ خلاف ذلك؛ فإن العبرة بالمقاصد والمآلات التي يبصرها أصحاب الرؤية البعيدة، وما أكثر ما يُكبُّ النّاس على وجوههم قِصَرُ النّظَر، وحُبُّ العَجَلة، والانبهار بما يُرى، ولكنّ كمال العقل في رصد ما يضمن البقاء، ويعين على الاستمرار، ويحفظ استعداد النّفس للإمداد، وكلُّها لطائف ونِعمٌ من الله تعالى، يُكافئ بها المؤمن الصّبور، جزاءً له لصدق النيّة فيه."

"أجل إن كلمة "الناس" أثقل عبء يلقى على ظهور الناس. فمن منا لا يستجدي إعجابهم؟ وكم فينا من يحمل نفسه فوق طاقتها ليظهر بمظهر يرضيهم ويلفت أنظارهم إليه فيقضي العمر وشبح الهم يماشيه كظله، يأكل معه في صحنه، وينام معه في فراشه! غريبة كلمة الناس، ما أعظم سلطانها على العقول! لا أقول الناس بلاء الناس كما يقولون، ولكني أقول الناس تسيّر الناس، وليس أحد منا حرّا في ذاته، فمن يزعم أنه لا يبالي بهم يخدع نفسه، إنه أشدّنا تهافتا عليهم، ومن زعم أنه معلّمهم فهو أحد تلاميذ مدرستهم، إن شاءوا منحوه الشهادة بامتياز وإلا عاد محترق الفؤاد يردد: ما أصعب مرضاة الناس! ففي خلوتنا الخرساء نسمع ضجيج الناس الصاخب، وفي عزلتنا نحس أنهم يتجولون في مخيلتنا جولان أشباح الغوغاء على الشاشة البيضاء. كانوا في انتظاري عند المهد وسيجذفون قاربي ليبلغ ميناء اللحد، وإن حسبت يومذاك أني نجوت منهم لأني نمت عنهم فشباكهم ستلحقني إلى بحر الظلمات."

على الله تتوكل القلوب، وعلى الأسباب تتوكأ الجوارح. "فَفَتَحۡنَاۤ أَبۡوَا⁠بَ ٱلسَّمَاۤءِ بِمَاۤءࣲ مُّنۡهَمِرࣲ * وَفَجَّرۡنَا ٱلۡأَرۡضَ عُیُونࣰا فَٱلۡتَقَى ٱلۡمَاۤءُ عَلَىٰۤ أَمۡرࣲ قَدۡ قُدِرَ * وَحَمَلۡنَاهُ عَلَىٰ ذَاتِ أَلۡوَاحࣲ وَدُسُرࣲ * تَجۡرِی بِأَعۡیُنِنَا".

{إِن تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ ۖ وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۚ وَيُكَفِّرُ عَنكُم مِّن سَيِّئَاتِكُمْ ۗ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} ففي هذا أن صدقة السر على الفقير أفضل من صدقة العلانية، وأما إذا لم تؤت الصدقات الفقراء فمفهوم الآية أن السر ليس خيرا من العلانية، فيرجع في ذلك إلى المصلحة، فإن كان في إظهارها إظهار شعائر الدين وحصول الاقتداء ونحوه، فهو أفضل من الإسرار. _تفسير السعدي

"هل تزورون موتاكم يا عباد الرحمن! نقل الإمام ابن القيم -رضي الله عنه- إجماع السلف أن الميت يأنس بالزيارة. توهَّم نفسك ميتًا وقد آنسك زائرك. ربَّاه أعِذ أرواح موتانا من الوحشة، واكتبنا في إيناسهم أسبابًا، وآنسِنا وِفاقًا. لا أتخايل محبًّا لميتٍ علم هذا فترك."

شاركونا عناوين كتب أدبية قرأتموها وأعجبتكم، وإن توفرت لديكم بنسخ PDF فأرسلوها هنا بارك الله فيكم @freechilddbot

قد تمر عليك بعض الساعات التي تشعر فيها بأنك منهك القوى، ولا تريد أن تكمل ما أنت فيه، وترغب في أن تحل عن كاهليك كل الحبال التي تجرُّ بها مسئوليات الحياة الثقيلة، وتقولها صراحةً في احتجاجك أنك تريد أن تعود إلى ما كنت عليه قبل هذا كله، شخصًا غير مسئول عن أي شيء، شخصًا لا يتوقع من الحياة أن تعضه على هذا النحو الذي يحمل آثاره. لا بأس بأن تُنفِّس عن نفسك بكلمات من هذا القبيل، لا بأس في أن تغمس نفسك قليلًا في أحلام اليقظة وتتمنى لو أنك في الظل كما كنت ولم تخض كل معارك التي خضتها بنفسك أو فُرِضت عليك.. لكن في النهاية، ستهز رأسك، وتقوم مرة أخرى، وتنفض ثوبك، وتحمل عدتك، وتستعين بربك عَزَّ وَجَل ، وتمضي في طريقك. ويجب عليك أن تعرف أنك لست إلا الكفاح الذي أنت عليه منذ أن بدأت تكافح، وأنك كل ما استطاع ذلك البريء الذي كنته في يوم من الأيام أن يفعل كي يسدَّ ويقوم بما عليه القيام به، وكي ينزح المياه من قاربه حتى لا يغرق. محمود توفيق