محمود توفيق

بالنسبة لامتلاك الإرادة فالناس عندي هم ثلاثة أنواع: الحماسي، وأقصد بتلك الحماسة التي فيه تلك الفورة الداخلية وتأجج المشاعر، كالذي يمكن أن يحدث بسبب أغنية وطنية أو خطابة حماسية، أنه الشخص الذي تحركه دفقة قوية من المشاعر العارمة. والمستميت، وهو الذي يمتلك إرادة صلبة عندما تسير الأمور بطريقة مريعة، فيظل حافظًا نفسه من الرغبة في الاستسلام، صابرًا، خافضًا متطلباته، منخفضًا للريح، قادرًا على البدء من الصفر مرة أخرى إذا لزم الأمر. وصاحب العزم، وهو الذي لو لم يسمع أي خطبة متحمسة، ولم تسر الأمور بشكل صعب، هو منتبه ويعمل الذي عليه كل يوم، وهو القادر على أن يغرس شجرة ليتمتع بثمرها بعد عشة أعوام، وهو الذي لا يترك نفسه تسمح له باللعب والتهريج وإضاعة أي فرصة. ولا يخفى أن النوعين الأول والثاني بهما منبع من منابع القوة، ولكن يبقى أن النجاح والتفوق وإثبات الوجود منتشرًا في النوع الثالث، وأغلب ما يحيط بنا من الناجحين الذين لم يصعدوا بضربة حظ أو بسبب الفهلوة، هم من النوع الثالث، أصحاب الإرادة القوية التي تسير فيهم كما تسير العصارة في النبات فيظل حيًا، وهو النوع الذي يحلو للكسالى مضيعي أوقاتهم أن يقولوا على الواحد من هذا النوع أنه صعب حتى مع نفسه. فإن كنت ترغب في أن تغير حياتك وأنت تعلم بأن بك قدرًا من الحماسة، وقدرًا من الاستماتة، فلابد أن تتشبه قدر استطاعتك بالنوع الثالث ولو كان هذا مكروهًا لديك، فالإنسان في الأساس لا يصل إلا بعد إن يُكرِه نفسه على ما لا تحب. أما إذا كنت تتعامل مع الدنيا كما لو أنها حفلة عيد ميلاد، وتصر في نفس الوقت على أن تصل إلى ما وصل إليه المثابرون، وتطلع على منصات التكريم مثلهم، فتمتع يا صديقي بحفلة عيد الميلاد وانتظر، انتظرْ طويلًا.

‏يكفيك من الناس من يعرفون قيمتك، من يشعرون أنهم سعداء بوجودك في حياتهم، من لا يوجد فيهم أي ذرة استهزاء بك حتى بعد أن عرفوا عيوبك، من يبدو من تعاملهم معك وكأنهم ينظرون إلى العرق الذي بذلته في رحلتك في الحياة.

‏اللهم احفظنا من كل إنسان يستطيع في البدء أن يخفي تلك الخرابة التي في داخله.

اللهم ارزق كل مشتاق طفلًا، اللهم اجعل له بعد الأشواق والدعوات في جوف الليل زمنًا جميلًا يعود فيه من عمله ويفتح باب البيت، فيجد وليده يحبو إليه باسمًا متهللًا معبرًا عن حبه وشوقه، اللهم ارزق عبيدك رؤية الغمازتين في الوجه الرقيق، والضحكة الرائعة للوجه الرقيق، عاجلًا غير آجل يا رزاق يا واسع الرحمة.

اللهم رحمتك بعبادك العاطلين عن العمل، الذين يذوبون كل يوم وهم في انتظار فرصة ترد لهم اعتبارهم أمام أنفسهم وأمام أهلهم، الذين اشتاقوا لأن يعودوا كالآخرين من الأعمال متعبين، الذين اشتاقوا لأن يسمعوا من زوجاتهم طلبات البيت فيقدرون عليها ويعودون بها، الذين اشتاقوا لترتيب مواعيدهم كالآخرين لأنهم صاروا أخيرا مشغولين كما ينشغل الرجال بعد أن عانوا من طول الأوقات بلا جدوى.

اللهم اجز عنا خيرًا كل المحترمين الذين قابلناهم في حياتنا، كل الصادقين، كل الذين لم نكتشف أن بسمتهم مصطنعة، كل الذين لم يكونوا يحومون من أجل مصلحة وينوون أن يطيروا بعدها، كل الذين كانوا في حجم ثقتنا بهم واحترامنا لهم وحفاوتنا بهم، اللهم اجز عنا خيرًا كل الذين نبهونا إلى عثرة، أو أقامونا من وقعة، ثم لم يخرجوا للعالم متباهين بما فعلوا ومدَّعين للأستاذية. اللهم اجز عنا خيرًا كل الذين غاروا علينا ولم يقبلوا فينا أن نكون مجرد مادة للمشاهدة حينما نضل أو نسهو.

اللهم انصرهم على عدوك وعدوهم. اللهم اكتب الجوع على من ارتضى لهم الجوع. اللهم اكتب الذل على من لم يبال بأمرهم.

على أي شيء تتسابق مع البشر ولو بينك وبين نفسك؟ خذ الخبر اليقين: كل السباقات تنفضّ كل ما يُجرى إليه مع الآخرين زائل كل ما يُحرَز يبلى كل وصول يتم تجاوزه. إلا المسارعة في مرضاة الله إلا الفرار إلى الله إلا ما قال الرب عنه سبحانه : (وفي ذلك فليتنافس المتنافسون).

وأنت تفكر في أحلامك العظيمة، وآمالك الكبرى، من فضلك فكر ولو لدقيقة واحدة، في إخوانك الذين يحلمون فقط بصحن ممتلئ.

يارب؛ احفظ أبناءنا وبناتنا من الزيف والضلال والهوى وتلاعب البشر بالبشر، احفظهم من كل ما نعرف من الشر وما لا نعرف، ومن المحدثات، وباطل الأقاويل والأفكار، وكل ما هو آت مع الأيام من سيئ الظنون والمزاعم. اللهم اكرمنا بهذا فضلا منك ورحمة، فإنا نعرف أننا أقل صلاحا من أن يكون هذا جزاءنا، وأقل عملا من أن نأخذ هذا الأجر.