يوسف عبدالإله الضحياني

قال أبو حمزة الثمالي: أقبل زيد بن علي عليه السلام وهو إذ ذاك في نحو سنة، فنظر إليه علي بن الحسين عليه السلام فقال: ((هذا الثائر بدم الحسين عليه السلام، هذا الداعي إلى كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فإذا قتلوه فترقبوا أمرهم إنما هو إلى الوهن)).

لا يمكن أن يكون على نهج الإمام الحسين مَن لم يكُن على منهج الإمام زيد بن علي بن الحسين-عليهم السلام- ؛ وذلك أن النّهجين منهجٌ واحدٌ؛ سلكَه بعدُ الأئمة يحيى بن زيد، والنّفس الزكية محمد بن عبد الله، والنّفس الرضيّة إبراهيم بن عبد الله؛ وغيرهم من سادات بني الحسن والحسين-عليهم السلام-. إن البكاء على الحسين والرّفض لهؤلاء طريقة واحدةٌ تدل على أن مَن هذه صفتُه ليس على منهاج الإمام الحسين أصولا وفروعا. يُصعّبُ البعض على نفسه سبيل البحث العقائدي بينما تكون أمامه البيّناتُ في الدلالة ولا يراها. إنّ إنكارَ هؤلاء الأئمة من سادات بني الحسن والحسين -عليهم السلام- مَن كانت تضحياتهم من روح كربلاء مستمدّة؛ الشهداء السعداء؛ هو إنكارٌ للإمام الحسين -عليه السلام- ؛ فليُوفّر المتباكون دموعَهم، وليحفظ اللاطمون دماءهم؛ فإن الدموع على شِفار السيوف الطاعنة ليحيى بن زيد والنفس الزكية لن تفيد شيئا إلا أن يرحمَ الله ويتداركَ متنبّهٌ!

وَأَهْلِ بِيتِي وَأَشْيَاعِي مِنْهُمُ فَإنَّهُمْ غَرُّونَا وَكَذَّبُونَا وَخَذَلُونَا، وَأَنْتَ رَبُّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا، وَإلَيْكَ أَنَبْنَا وَإلَيْكَ الْمَصِيرُ. ثُمَّ قَالَ: أَيْنَ عُمَر بن سَعْدٍ؟ ادْعُوا لِي عُمَرَ فَدُعِيَ لَهُ وَكَانَ كَارِهاً لاَ يُحِبُّ أَنْ يَاتِيَهُ فَقَالَ: يَا عُمَرُ يَا ابْنَ عَمِّ أَنْتَ تَقْتُلُنِّي وَتَزْعُمُ أَنْ يُوَلِّيَكَ الدَّعِي بن الدَّعِي بِلادُ الرَّيّ وَجُرْجَانَ؟ وَاللهِ لاَ تَتَهَنَّأَ بِذَلِكَ أَبَداً عَهْداً مَعْهُوداً فَاصْنَعْ مَا أَنْتَ صَانِعٌ فَإنَّكَ لاَ تَفْرَحُ بَعْدِي بِدُنْيَا وَلا آخِرَةَ، وَلَكَأنِّي بِرَاسِكَ عَلَى قَصَبَةٍ قَدْ نُصِبَ بِالْكُوفَةِ تَتَرَامَاهُ الصِّبْيَانُ، وَيَتَّخِذُونَهُ غَرَضاً بَيْنَهُمْ)). فَاغْتَاظَ عُمَرُ بن سَعْدٍ مِنْ كَلامِهِ، ثُمَّ صَرَفَ بِوَجْهِهِ عَنْهُ وَنَادَى أَصْحَابَهُ: مَا تَنْتَظِرُونَ بِهِ احْمِلُوا بِأَجْمَعِكُمْ إنَّما هِيَ أُكْلَةٌ وَاحِدَةٌ، ثُمَّ إنَّ الْحُسَيْنَ عليه السلام دَعَا بِفَرَسِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وآله وسلم الْمُرْتَجزِ فَرَكِبَهُ وَعَبَّأ أَصْحَابَهُ فَزَحَفَ إلَيْهِ عُمَرُ بن سَعْدَ لَعَنَهُ الله تَعَالَى وَنَادَى غُلامَهُ دُرَيْداً، وَقَالَ: اقْدِمْ رَايَتَكَ، ثُمَّ وَضَعَ سَهْمَهُ فِي كَبِدِ قَوْسِهِ، ثُمَّ رَمَى وَقَالَ: اشْهَدُوا لِي عِنْدِ الأَمِيرِ -يَعْنِي عُبَيْدَاللهِ بن زِيَادٍ لَعَنَهُ الله تَعَالَى وَإيَّاه-: أَنِّي أَوُّلُ مَنْ رَمَى فَرَمَا أَصْحَابُهُ كُلُّهُمْ بِأَجْمَعِهِمْ فِي أثره رَشْقَةً وَاحِدَةً، فَمَا بَقِيَ وَاحِدٌ مِنْ أَصْحَابِ الْحُسَيْنِ عليه السلام إلاّ أَصَابَهُ مِنْ رَمِيهِمْ سَهْمٌ)).

قال الإمام الكامل عبدالله بن الحسن الرضا بن الحسن السبط بن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليهم السلام: ((لَمَّا عَبَّأَ عُمَرُ بن سَعْدٍ أَصْحَابَهُ لِمُحَارَبَةِ الْحُسَيْنِ بن عَلِيٍّ عليه السلام وَرَتَّبَهُمْ مَرَاتِبَهُمْ، وَأَقَامَ الرَّايَاتِ فِي مَوَاضِعِهَا، وَعَبَّأَ أَصْحَابَ الْمَيْمَنَةِ وَالْمَيْسَرَةِ، وَقَالَ لأصْحَابِ القَلْبِ: اثْبِتُوا، وَأَحَاطُوا بِالْحُسَيْنِ عليه السلام مِنْ كُلِّ جَانِبٍ حَتَّى جَعَلُوهُ فِي مِثْلِ الْحَلَقَةِ. فَخَرَجَ عليه السلام حَتَّى أَتَى النَّاسَ فَاسْتَنْصَتَهُمْ فَأَبُوا أَنْ يَنْصِتُوا حَتَّى قَالَ لهم: ((وَيْلَكُمْ مَا عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْصِتُوا إِلَيَّ فَاسْتَمِعُوا قَوْلِي، فَإنِّي إنَّمَا أَدْعُوكُمْ إِلَى سَبِيلِ الرَّشَادِ، فَمَنْ أَطَاعَنِي كَانَ مِنَ الْمُرْشَدَيْنَ، وَمَنْ عَصَانِي كَانَ مِنَ الْمُهْلَكِينَ، وَكُلُّكُمْ عَاصٍ لأَمْرِي غَيْرُ مُسْتَمِعٍ قَوْلِي، فَقَدِ انْخَزَلَتْ عَطِّيَّاتُكُمْ مِنَ الْحَرَامِ، وَمُلِّيَتْ بُطُونُكُمْ مِنَ الْحَرَامِ، فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِكُمْ، وَيْلَكُمُ أَلا تَنْصِتُونَ، أَلا تَسْتَمِعُونَ))، فَتَلاوَمَ أَصْحَابُ عُمَرَ بن سَعْدٍ بَيْنَهُمْ، وَقَالُوا: انْصِتُوا لَهُ فَأَنْصَتُوا. فَقَامَ الْحُسَيْنُ عليه السلام فِيهِمْ فَحَمِدَ الله وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَصَلَّى عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وآله وسلم، ثُمَّ قَالَ: ((تَبًّا لَكُمْ أَيَّتُهَا الْجَمَاعَةُ وَتَرْحاً، أَفَحِين اسْتَصْرَخْتُمُونَا وَلِهِينَ مُتَحَيِّرِينَ فَأَصْرَخْنَاكُمْ مُوجِزِينَ مُسْتَعِدِّينَ، فَسَلَلْتُمْ عَلَيْنَا سَيْفاً فِي أَرْقَابِنَا، وَحَشَشْتُمْ عَلَيْنَا نَارَ الفِتَنِ خَبَّاهَا عَدُوُّكُمْ وَعَدُوُّنَا فَأَصْبَحْتُمْ إلْباً عَلَى أَوْلِيَائِكُمْ، وَيَداً عَلَيْهِمْ لأعْدَائِكُمْ، لِغَيْرِ عَدْلٍ أَفْشَوْهُ فِيكُمْ، وَلا أَمَلٍ أَصْبَحَ لَكُمْ فِيهِمْ إلا الْحَرَامَ مِنَ الدُّنْيَا أَنَالُوكُمْ، وَخَسِيسَ عَيْشٍ طَمِعْتُمْ فِيهِ مِنْ غَيْرِ حَدَثٍ كَانَ مِنَّا وَلا رَأيٍ تَفِيلٍ، فَهَلاَّ -لَكُمُ الوَيْلاتُ- تَجَهَّمْتُمُونَا وَالسَّيْفُ لَمْ يُشْهَرْ، وَالْجَأشُ طَامِنُ، وَالرَّايُ لَمْ يُسْتَخَفْ، وَلَكِنْ أَسْرَعْتُمْ إلَيْنَا كَطَيَرْةِ الذُّبَابِ، وَتَدَاعَيْتُمْ كَتَدَاعِي الفَرَاشِ. فَقُبْحاً لَكُمْ فَإنَّمَا أَنْتُمْ مِنْ طَوَاغِيتِ الأُمَّةِ وَشُذَاذِ الأَحْزَابِ وَنَبَذَةِ الكِتَابِ، وَنَفْثَةِ الشَّيْطَانِ وَعُصْبَةِ الآثَامِ وَمُحَرِّفِي الكِتَابِ، وَمُطْفِي السُّنَنِ وَقَتَلَةِ أَوْلادِ الأَنْبِيَاءِ، وَمُبِيدِي عِتْرَةِ الأَوْصِيَاءِ، وَمُلْحِقِي العِهَارِ بِالنَّسَبِ، وَمُؤْذِي الْمُؤْمِنِينَ، وَصُرَاخِ أَئِمَّةِ الْمُسْتَهْزِئِينَ الَّذِين جَعَلُوا القُرْآنَ عِضِينَ، وَأَنْتُمْ عَلَى ابْنِ حَرْبٍ وَأَشْيَاعِهِ تَعْتَمِدُونَ، وَإيَّانَا تُخَاذِلُونَ، أَجَلْ وَاللهِ خُذِلَ فِيكُمْ مَعْرُوفٌ، وَشُجَّتِ عَلَيْهِ عُرُوقُكُمْ، وَتَوَارَثَتْهُ أُصُولُكُمْ وَفُرُوعُكُمْ، وَثَبَتَتْ عَلَيْهِ قُلُوبُكُمْ، وَعَشَبَتْ صُدُورُكُمْ، وَكُنْتُمْ أَخْبَثَ شَيْءٍ، سَنَخاً لِلنَّاصِبِ وَأُكْلَةً لِلْغَاصِبِ، أَلا لَعْنَةُ الله عَلَى النَّاكِثِينَ وَالَّذِين يَنْقُضُونَ الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ الله عَلَيْكُمْ كَفِيلا، وَأَنْتُمْ وَالله هُمْ، أَلا إنَّ الدَّعِيَّ قَدْ رُكِزَ بَيْنَ اثْنَتَيْنِ بَيْنَ القَتْلَةِ وَالذّلَّةِ وَهَيْهَاتَ مِنَّا أَخْذ الدَّنِيَّةِ، أَبَى الله ذَلِكَ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُون، َ وَجُدُودٌ طَابَتْ، وَحُجُورٌ طَهُرَتْ، وَأُنُوفٌ حَمِيَّةٌ، وَنُفُوسٌ أَبِيَّةٌ، لاَ تُؤَثرُ مَصَارِعَ اللِّئَامِ عَلَى مَصَارِعِ الكِرَامِ، أَلا قَدْ أَعْذَرْتُ وَأَنْذَرْتُ أَلا إنِّي زَاحِفٌ بِهَذِهِ الأُسْرَةِ عَلَى قِلَّةِ العَتَادِ وَخُذْلَةِ الأَصْحَابِ، ثُمَّ أَنْشَأَ يَقُولُ: فَإنْ نَهْزِمْ فَهَزَّامُونَ قُدْماً وَإنْ نُهْزَمْ فَغَيْرُ مُهَزِّمِينَا أَلا، ثُمَّ لاَ تَلْبَثُونَ بَعْدَها إلاَّ كَرَيْثِ مَا يُرْكَبُ الفَرَسُ حَتَّى تَدُورُ بِكُمُ الرَّحَا عَهْداً عَهِدَهُ إلَيَّ أَبِي، {فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ} [يونس:٧١]، ثُمَّ {فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لاَ تُنْظِرُونِ (٥٥) إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى الله رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلاَّ هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ٥٦} [هود]، اللَّهُمَّ احْبِسْ عَنْهُمْ قَطْرَ السَّمَاءَ، وَابْعَثْ عَلَيْهِمْ سِنِينَ كَسِنِيّ يُوسُفَ، وَسَلِّطْ عَلَيْهِمْ غُلامَ ثَقِيفٍ يسْقِهِمْ كَاساً مَرَّةً وَلا يَدَعُ فِيهِمْ أَحَداً إلاّ قَتَلَهُ قَتْلَةً بِقَتْلَةٍ وَضَرْبَةً بِضَرْبَةٍ، يَنْتَقِمُ لِي وَلأَوْلِيَائِي

الشافعي يحكي رؤيته في مسجد المدينة للإمام إبراهيم بن الحسن الرضا بن الحسن السبط بن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليهم السلام، واجتماع الناس للنظر إليه: قال محمد بن كثير: سمعتُ الشافعي يقول: "دخل رجل مسجد المدينة، وإذا الناس مجتمعون على رجل ينظرون إليه، وإذا رجل كالقمر ليلة البدر، قال: فقلت: من هذا؟ قالوا: هذا إبراهيم بن الحسن أشبه النَّاس بالنبي صلى الله عليه [وآله] وسلم.". [ذيل مناقب الشافعي، تأليف الحافظ البيهقي، تحقيق أبي عامر الداغستاني، الطبعة الأولى: ١٤٤٣ھ - ٢٠٢٢م] قلت: والإمام إبراهيم بن الحسن -عليهما السلام- لقبه (الشبه) ؛ لأنه أشبه الناس برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. وكذلك من ألقابه (الغمر) ؛ لجوده. وقال السيد العلامة النسَّابة يحيى بن الحسن العقيقي الحسيني عليه السلام (ت٢٧٧ھ) : ((كان إبراهيم أشبه الناس برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.)). استشهد في حبس الطاغية الملعـ.ـون الدوانيقي العباسي، "وهو ابن سبع وستين سنة"؛ مع إخوته وأهل بيته؛ قال أبو الفرج الأصفهاني (ت٣٥٦ھ) : "وهو أول من توفي منهم في الحبس" ؛ في شهر ربيع الأول سنة ١٤٥ھ؛ صلوات الله عليهم.

قال الإمام المرتضى لدين الله محمد بن الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين بن القاسم بن إبراهيم صلوات الله عليهم (ت٣١٠ھ) : ((يا أخي؛ إنَّ تعليم الدِّين، والدلالة على رب العالمين؛ فريضة على جميع المسلمين، ومن أكبر فرائض رب العالمين؛ فكن إلى الله داعيا، ولمعالم دينه مُفَهِّما، وللخير مُعَلِّما.)).

قال محمد بن منصور المرادي رضي الله عنه: حدثنا عبدالله بن داهر، عن عمرو بن جميع، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((من ازداد بالله علماً ثم ازداد للدنيا حباً؛ ازداد من الله بعداً، وازداد عليه غضباً.)). [أمالي الإمام أحمد بن عيسى عليهما السلام]

قال محمد بن منصور المرادي رضي الله عنه: حدثني قاسم بن إبراهيم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((يابن آدم؛ إنَّما أنتَ أيَّامٌ؛ فإذا ذَهَبَ يَومٌ؛ فَقَد ذَهَبَ بَعضُكَ.)). وسمعتُ قاسم بن إبراهيم يقول: قال داوود عليه السلام: ((يَنْبَغِي لِلصديقِ أن يَرْحَمَ أَنْفُسَ بَهَائِمِهِ.)). [أمالي الإمام أحمد بن عيسى عليهما السلام]

قال محمد بن منصور المرادي رضي الله عنه: حدثني أحمد بن صبيح، عن حسين [بن علوان]، عن أبي جعفر [الباقر]، عن أبيه [زين العابدين عليهما السلام] قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((نصفُ العقلِ التودُّدُ للناس.)). [أمالي الإمام أحمد بن عيسى عليهما السلام]

من السحر الحلال! قطعة من قصيدة للقاضي العلامة شيعي أهل البيت علي بن محمد العنسي رحمه الله تعالى (ت١١٣٩ھ).