مِحَكُّ النَّظر

ملحوظة مهمة: جهل بعض السلفيين الفرق بين المفهوم والمصداق، وأن حكم الأعيان والمصاديق قد يختلف عن حكم المفهوم، فلا مانع من أن يكون من هو تحت مفهوم أهل السنة العام أو الخاص من توفرت فيه الشروط وانتفت فيه الموانع، فيكون كافرا أو فاسقا !! فمحاولة النقض ببعض الأفراد على هذا التقسيم محاولة في قمة السذاجة تنم عن عدم إحاطة بمقصود ابن تيمية.

«أما أن يُفرد الإنسان طائفة منتسبة إلى متبوع من الأمة ويسميها "أهل الحق"، ويُشعر بأن كل من خالفها في شيء فهو من أهل الباطل= فهذا حال أهل الأهواء والبدع، كالخوارج والمعتزلة والرافضة. وأهل السنة لا يصفون طائفة بأنها صاحبة الحق مطلقا إلا المؤمنين الذين لا يجتمعون على ضلالة. فأهل الحق هم أهل الكتاب والسنة، وأهل الكتاب والسنة على الإطلاق: هم المؤمنون، فليس الحق لازما لشخص بعينه دائرا معه حيثما دار، لا يفارقه قط، إلا الرسول ﷺ، إذ لا معصوم من الإقرار على الباطل غيره، وهو حجة الله التي أقامها على عباده، وأوجب اتباعه وطاعته في كل شيء على كل أحد». «وليس الحق أيضا لازما لطائفة دون غيرها إلا للمؤمنين، فإن الحق يلزمهم إذ لا يجتمعون على ضلالة، وما سوى ذلك فقد يكون الحق فيه مع الشخص أو الطائفة في أمر دون أمر، وقد يكون المختلفان كلاهما على باطل، وقد يكون الحق مع كل منهما من وجه دون وجه. فليس لأحد أن يسمي طائفة منسوبة إلى اتباع شخص كائنا من كان غير رسول الله ﷺ بأنهم أهل الحق، إذ ذلك يقتضي أن كل ما هم عليه فهو حق، وكل من خالفهم في شيء من سائر المؤمنين فهو مبطل». تقرير تيمي نفيس حول احتكار أو اختطاف الألقاب والمعاني الشريفة!

السلفيون معجبهمش الكلام وبدأوا يخرجوا من القناة 🌷 ودا مفيد كل فترة الواحد يعمل عملية تطهير للقناة كدا 💘

كلام مهم جدا ومفيد.. وتتميما للفائدة، هذه نصوص لابن تيمية تؤكد على هذا التقسيم: 1- «فلفظ " أهل السنة " يراد به من أثبت خلافة الخلفاء الثلاثة، فيدخل في ذلك جميع الطوائف إلا الرافضة، وقد يراد به أهل الحديث والسنة المحضة، فلا يدخل فيه إلا من يثبت الصفات لله تعالى ويقول: إن القرآن غير مخلوق، وإن الله يرى في الآخرة، ويثبت القدر، وغير ذلك من الأصول المعروفة عند أهل الحديث والسنة» 2- «فإنهم أقرب طوائف أهل الكلام إلى السنة والجماعة، والحديث، وهو يعدون من أهل السنة والجماعة عند النظر إلى مثل المعتزلة، والرافضة، وغيرهم، بل هم أهل السنة والجماعة في البلاد التي يكون أهل البدع فيها هم المعتزلة، والرافضة، ونحوهم». النص الأول من منهاج السنة ويستفاد منه مفهوم أهل السنة العام، وهو ما يشمل جميع الطوائف عدا الرافضة، فيدخل في مفهوم أهل السنة هكذا المعتزلة كما قال مسدد.. والنص الثاني من بيان تلبيس الجهمية، وهناك مثله في الأصفهانية، ويستفاد منه المفهوم العام لأهل السنة وهو الشامل لجميع الصفاتية بما يشمل الأشاعرة والماتريدية ومفوضة الحنابلة والكرامية وغيرهم من الصفاتية. وبالجمع بين النص الأول والثاني، يستفاد المفهوم الثالث لأهل السنة وهو أهل السنة المحضة، وهم من كانوا على ما عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وما كان عليه أهل الحديث والأثر.

هل قوله: «أقرب هذه الطوائف إلى السنة» معناه أنهم ليسوا عنده من أهل السنة؟ الجواب: الذي يظهر لي من منهج شيخ الإسلام أن «أهل السنة» عنده له إطلاق عام، وخاص، وأخص. • فأهل السنة عنده في مقابلة الشيعة = يدخل فيهم كل الطوائف الإسلامية غير الطوائف الشيعية، وهذا هو الإطلاق العام. • وأهل السنة في مقابلة أهل البدع المغلظة المشهورة كالاعتزال والتجهم والخارجية والإرجاء والقدرية.. إلخ= يدخل فيهم أهل الحديث والحنابلة والأشاعرة والماتريدية، وهذا هو الإطلاق الخاص. • وأهل السنة بالمعنى الأخص = هم أهل الحديث والأثر، المتمسكون بما كان عليه السلف الأولون قبل ظهور البدع، ويسميهم أحيانا: أهل الإسلام المحض الخالص عن الشوب. فهؤلاء مَن وافقهم تماما كان منهم، ومن خالفهم في بعض الأمور اقترب وابتعد بقدر مخالفته.

«فإن قلتَ: ما ذكروه تمثيل، يفيد الظن، والمسألة من المطالب العقلية التي يطلب فيها اليقين. قلتُ: قد سبق أن العلة إذا كانت قطعية في التمثيل يرجع إلى القياس، ويفيد اليقين». الملا حسن چلبي تـ886 هـ

ذكر بعض الأصدقاء اعتراضا على أحد الدكاترة يتعلق بمسألة الإعجاز.. وكلام الدكتور كان عن إبطال اشتراط كون المعجزة مما برع فيه قوم النبي المؤيد بالمعجزة (وإبطال هذا الاشتراط صحيح)، وعلل ذلك بكون هذا الاشتراط يلزم منه القول بالصرفة.. فاعترض الصديق على هذا الكلام بتصحيح الاشتراط بدعوى أنه صريح المعقول، و(ما عليه علماؤنا!!)، ثم لما نبهه أحدهم أو لعله تنبه لذلك بنفسه إلى عدم لزوم الصرفة عن هذا القول، ذكر ذلك.. ولي هنا عدة تعليقات وفوائد: 1- هذا الاشتراط غير صحيح، وأكثر المتكلمين المتأخرين -بحسب اطلاعي- لم يذكروه، بل اقتصروا على شروط سبعة معروفة ومذكورة في علم الكلام، إذا توفرت، صحت المعجزة..، وإلا فلا، وليس منها كون المعجزة مما برع فيه قوم النبي..، وأعترف أن هناك بعض القائلين بهذا الشرط، ولكن دعوى أنه (ما عليه علماؤنا) دعوى عريضة وكبيرة جدا، الواقع يكذبها، فضلا عن كونه صريح المعقول. 2- التنبيه على أهمية علمي الكلام والمنطق في علم البلاغة تحديدا (لأنه موضوع الكلام، وغيره كذلك من العلوم المتداخلة مع المنطق والكلام)، وذلك أن خطأ الدكتور سببه اعتبار ما ليس لازما -لازما، وخطأ الصديق سببه عدم الإحاطة بما عليه المتكلمون أو أكثرهم في هذه المسألة.. ومن فقد هذين العلمين أو قدرا منهما، فقد من غيره من العلوم كالبلاغة وأصول الفقه وغيرها بقدر فقده من علمي المنطق والكلام! 3- أن هذه المسألة كلامية وليست بلاغية، وإن كان يبحثها البلاغيون، ولكن ليس من هذه الحيثية..، فالبلاغي يأخذ بحث المتكلم بعد تقريره معنى المعجزة، وشروط المعجزة، والفرق بينها وبين غيرها..، فيأخذ البلاغي كل هذا البحث مسلَّما، ثم يبتدئ من حيث وقف المتكلم، فيبدأ في الكلام عن وجه إعجاز القرآن تحديدا دون غيره، وإن خاض في غيره من المعجزات، فيكون خوضا مقتضبا عجلا مختصرا، يعتمد البلاغي فيه اعتمادا كليا على ما قرره المتكلمون.. فالمسألة المختلف فيها الآن ليست من الكلام عن وجه الإعجاز إلا من حيث الكلام عن الصرفة الذي هو أحد أوجه الإعجاز المذكورة في التراث البلاغي والكلامي..، أما شرط كون المعجزة مما برع فيه قوم النبي، أو لزوم الصرفة عن هذا القول؛ فهذا بحث كلامي ومنطقي خالص..، ليس من موضوع البلاغة إلا من حيث إفادته في غرض البلاغة في بيان وجه إعجاز القرآن.. نعم، قد يعرض المتكلم لمسألة الصرفة وغيرها من وجوه الإعجاز، ولكن يعرض لها عرضا مقتضبا مختصرا بحسب الحاجة، ثم التوسع يكون من البلاغي، وإن كان في كتب المتقدمين أمثال عبد الجبار في المغني، والباقلاني وغيرهم قد يقع التداخل بين الخوضين في الكتاب الواحد، وهذا لعدم تمايز العلوم بعد، واستقرارها..، ولكن هذا لا يجعل المسألة البلاغية كلامية ولا الكلامية بلاغية.. وعدم التنبه في ذلك، يوقع من اقتصر بحثه على أحد العلمين في الخطأ بحسب قصوره عن الإحاطة بالعلم الثاني. والله المستعان.

«وقد تقرر أن من لزمه الكفر، وهو يتبرؤ منه فليس بكافر». «..إلا أن مشائخ ما وراء النهر قد بالغوا في تضليلهم [أي: المعتزلة] في هذه المسألة [خلق أفعال العباد]، حتى قالوا إن المجوس أسعد حالا منهم، حيث لم يثبتوا إلا شريكا واحدا، وهو أهرمن؛ والمعتزلة أثبتوا شركاء لا تُحصى. إن قلتَ: فيعود السؤال. قلتُ: أولا السكوت عن تكفير أهل القبلة إنما هو مذهب الأشعرية لا الماتريدية، وهم مشائخ ما وراء النهر. وثانيا بأنهم ذكروا أن من أنكر بعض ضروريات الدين فليس من أهل القبلة، وزعم انحصار الخالقية في الله سبحانه من ضروريات الدين». الفرهاري تـ1239 هـ مشايخ ما وراء النهر وهابية فرع المتكلمين 🌷

«..لأنا نقول: الإشراك هو إثبات الشريك في الألوهية، بمعنى وجوب الوجود، كما للمجوس، فإنهم يعتقدون إلهين، يزدان خالق الخير، وأهرمن خالق الشر، أو بمعنى استحقاق العبادة كما لعبدة الأصنام، فإنهم يعتقدون أن الواجب واحد، ويزعمون الأصنام مستحقة للعبادة؛ لرجاء الشفاعة منها». الفرهاري تـ1239 هـ والمعنى الثاني موافق لما يذكره ابن تيمية والوهابية، وهو مما يشنع عليهم فيه خصومُهم.. !

«ألا تَرى أنَّ ممَّن حُمِل عنه الدين، ونُصب علَما في البلدان: مَن قد يستحل ‌المتعة، فيفتي بأن ينكح الرجل المرأة أياما بدراهم مسماة، وذلك عندنا وعند غيرنا من أهل الفقه مُحرَّم، وأن منهم من يستحل الدينار بعشرة دنانير يدا بيد، وذلك عندنا وعند غيرنا من أهل الفقه مُحرم، وأن منهم من قد تأول فاستحلَّ سفك الدماء، ولا نعلم شيئا أعظم من سفك الدماء بعد الشرك، ومنهم من تأوَّل فشرب كل مسكر غير الخمر، وعاب على من حرمه، وغيره يحرمه، ومنهم مَن أحلَّ إتيان النساء في أدبارهن، وغيره يحرمه، ومنهم من أحل بيوعا محرمة عند غيره. فإذا كان هؤلاء -مع ما وصفت وما أشبهه- أَهلَ ثقة في دينهم، وقناعة عند مَن عرفهم، وقد تُرك عليهم ما تأوَّلوا فأخطئوا فيه، ولَم يُجرحوا بعظيم الخطإ إذا كان منهم على وجه الاستحلال= كان جميع أهل الأهواء في هذه المنزلة». الإمام الشافعي