عباد الله فما مناسبة القسم باليوم الموعد في هذه السورة: لأنه أعظم ما يثبت المؤمنون في الدنيا، أنهم يعلمون ان هناك يوم سيصلون فيه الى حقوقهم وسينتقمون من ظلامهم و َسيأخذون حقهم كاملا وسيجازى كل إنسان بحسب عمله
" وشاهد ومشهود " وشاهد يشهد, ومشهود يشهد عليه. وشمل هذا كل من اتصف بهذا الوصف
" قتل أصحاب الأخدود "هلك وعذب ولعن الذين شقوا في الأرض شقا عظيما, لتعذيب المؤمنين, وكان أصحاب الأخدود هؤلاء قومًا كافرين، ولديهم قوم مؤمنون، فراودوهم للدخول في دينهم، فامتنع المؤمنون من ذلك، فشق الكافرون أخدودًا في الأرض ، وقذفوا فيها النار، وقعدوا حولها، وفتنوا المؤمنين، وعرضوهم عليها، فمن استجاب لهم أطلقوه، ومن استمر على الإيمان قذفوه في النار، وهذا في غاية المحاربة لله ولحزبه المؤمنين، ولهذا لعنهم الله وأهلكهم وتوعدهم فقال: {قُتِلَ أَصْحَابُ الأخْدُودِ} ثم فسر الأخدود بقوله " النار ذات الوقود " أوقدوا النار الشديدة ذات الوقود,
" إذ هم عليها قعود " إذ هم قعود على الأخدود ملازمون له, وهذا من أعظم ما يكون من التجبر وقساوة القلب،
" وهم على ما يفعلون بالمؤمنين شهود "وهم على ما يفعلون بالمؤمنين من تنكيل وتعذيب حضور
" وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد " أي والحال أنهم ما نقموا من المؤمنين إلا خصلة يمدحون عليها، وبها سعادتهم، وهي أنهم كانوا يؤمنون بالله العزيز الحميد أي: الذي له العزة التي قهر بها كل شيء، وهو حميد في أقواله وأوصافه وأفعاله.
" الذي له ملك السماوات والأرض أي خلقًا وملكًا وحكمًا، وله القدرة التامة على أهل السماوات والأرض، ولا مفر لأحد من سلطانه وملكوته، ،
والله على كل شيء شهيد " فهو- سبحانه- على كل شيء شهيد, لا يخفى عليه شيء. علمًا وسمعًا وبصرًا وفي هذا وعد للمؤمنين الصابرين، ووعيد للكافرين الظالمين.
" إن الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات ثم لم يتوبوا فلهم عذاب جهنم ولهم عذاب الحريق " إن الذين حرقوا المؤمنين والمؤمنات بالنار. ليصرفوهم عن دين الله, ثم لم يتوبوا, فلهم في الآخرة عذاب جهنم, ولهم العذاب الشديد المحرق.
(ثم لم يتوبوا) قال الحسن رحمه الله: انظروا إلى هذا الكرم والجود، هم قتلوا أولياءه وأهل طاعته، وهو يدعوهم إلى التوبة ولو أنهم تابوا لما عُذبوا فما أوسع رحمة الله
ولما ذكر عقوبة الظالمين، ذكر ثواب المؤمنين، فقال " إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم جنات تجري من تحتها الأنهار ذلك الفوز الكبير "
{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا} بقلوبهم {وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} بجوارحهم أي إن الذين صدقوا الله ورسوله وعملوا الأعمال الصالحات, لهم جنات تجري من تحت قصورها الأنهار, ذلك الفوز العظيم. وسبحان الله أمة أبيدت وحُرقت بكاملها مع ذلك سميت تلك الإبادة الفوز الكبير! فالثبات وانتصار العقيدة هو المقصد وهو مقدم على التقدم العسكري
" إن بطش ربك لشديد " آيةٌ تُزلزل الجبالُ وتُوجِل القلوب وتقشعرُّ منها الجلود إن انتقام ربك من أعدائه وعذابه لهم لعظيم شديد, أي: وهو بالمرصاد للظالمين كما قال الله تعالى: {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ}
" إنه هو يبدئ ويعيد "إنه هو المنفرد بإبداء الخلق وإعادته فلا مشارك له في ذلك وكل شيء منه وإليه، فهو الذي خلق الخلق وإليه سيعودون، وسيجازي الله المحسنين بالحسنى، والكافرين بالعذاب الشديد
ومن معاني (يبدئ ويعيد) أن الحياة لا تعرف الاستقرار وإنما هي دول(وتلك الأيام نداولها بين الناس) والعبرة أن لا يغتر الإنسان بتمكين او بناء او سلطان او مكانة في الدنيا او صحة او نعيم او شباب لان الدنيا متقلبة ولايركن الى يأس او عجز او قنوط لان الفرص تأتي للجادين الذي يحسنون استثمارها والانتفاع منها
" وهو الغفور الودود ", الذي يغفر الذنوب جميعها لمن تاب ويعفو عن السيئات لمن استغفره وأناب.
{الْوَدُودُ} الذي يحبه أحبابه محبة لا يشبهها شيء فكما أنه لا يشابهه شيء في صفات الجلال والجمال والمعاني والأفعال
" ذو العرش المجيد " صاحب العرش العظيم ، وخص الله العرش بالذكر، لعظمته، ولأنه أخص المخلوقات بالقرب منه تعالى، والمجيد هو المتضمن لكثرة صفات كماله وسعتها، وعدم إحصاء الخلق لها، وسعة أفعاله وكثرة خيره ودوامه.
" فعال لما يريد " لا يمتنع عليه شيء يريده. فالله لا معاون لإرادته، ولا ممانع له مما أراد.
" هل أتاك حديث الجنود " هل بلغك- يا محمد- خبر الجموع الكافرة المكذبة لأنبيائها, " فرعون وثمود " فرعون وثمود, وما حل بهم من العذاب والنكال, لم يعتبر القوم بذلك,
" بل الذين كفروا في تكذيب " بل الذين كفروا في تكذيب متواصل كدأب من قبلهم,