"هجّاس"..

في هذه التائية صوّرَ الشاعر وجده بمحبوبته بعدة صور، وكان أبلغها أثراً في نفسي هاتين الصورتين. في الصورة الأولى شبّه وجده بوجد ناقة شديدة العطش، صُدت عن الماء، وكانت لم ترده منذ عشرة أيام.. إذا أرادت الورودَ نهرها الذي يتولى أمر سقي الإبل، ورماها بحجر فهربت، ونظرت الماء من مكان مشرف عليه، ولوت إحدى رجليها بالأخرى من شدة تحسرها، فهي ترى غيرها من الإبل يُسقى وهي ممنوعة مع شدة عطشها، فحنّت، والحنين: صوتٌ حزينٌ تطلقه الناقةُ كأنه بكاؤها حين تُرَحّل تاركةً فَصيلَها، أو حين تمرُّ بمكان كانت فيه من قبل.. والصورة الثانية: شبه وجده بوجد ناقة ترعى وطفلها، وهي غير آمنةٍ عليه فأرعبها صوت ضَبُع فأجفلت منه، ثم لما رجعت وجدت طفلها أشلاء متناثرة، فظلت واقفةً على بقاياه تحنُّ وتبكي.

الهيماء: الناقة التي أصابها الهُيام، وهو شدة العطش. حُلِئت: صُدّت وأُبعِدت. الخِمْسَان: مثنى الخِمس، وهو ورود الماء بعد خمسة أيام، ولا تقول العرب: العِشْر، ولذلك ثنّى الشاعرُ الخِمْسَ ليدلَ على انقطاع الناقة عن الماء عشرةَ أيام. سافت الأعْطانَ: تنشقتْ رائحةَ مباركِ الإبل حولَ الماء. فصدها وليُّ الماء أي الذي يتولى سقي الإبل. الآكم: جمع أكَمَة وهي ما ارتفع من الأرض كالروابي. والميفع: ما ارتفع أيضاً وكان مُشرِفاً. ترودُ: تروح وتغتدي غير آمنةٍ. الخُشارِم: الأصوات. اشمعلّت: ارتاعت فأجفلت. الخصيل: الذَّنَب غزيرُ الشعر. الشِّلو: العضو، جمعه: أشلاء. شماطيط: القطع المتناثرة.

ووَجْديْ بِطَيّا وَجدُ هيماءَ حُلِئتْ عن الماءِ كانت منذُ خِمْسَيْنِ ضلَّتِ إذا سافت الأعْطانَ أو شمَّت الثَّرى رماها وليُّ الماء عنه فولَّتِ وإن أشْرَفتْ من آكُمِ الماء مَيْفَعاً لوَتْ رجلَها اليُسرى بالاُخرى فحنّتِ فحنَّت حَنيناً يُطرِب الصَّبَّ ذا الهوى وقد نهِلَت منه بيأس وعَلَّتِ ولا وَجْد بكرٍ حُرَّةٍ أرْحَبيّةٍ تَرودُ حوالي طِفلِها قد أتمَّتِ أتيحَ لها فيما تروح وتَغْتدي خُشَارمُ مِنهُ رُعْبُها فاشْمَعَلَّتِ وجاءتْ مُفَجّاةً تَرى فَرْث طفلِها بِسِرْحَانِه أظْفارُها قد تَدمَّتِ تَهُزُّ من الوجدِ الخَصيلَ ورَاعَها صُويتٌ خَفيٌّ خَلْفَها فاقْشَعرَّتِ فما وَجَدَت من طفلها غيرَ شِلْوِه شَماطيطَ لم تقنعْ بها حيثُ شمَّتِ فظلَّتْ تُراعي شِلوها مُستحِنَّةً إذا سَلِيَت رَجْعَ الحَنينِ استهلّتِ _الصِّمّة.

فكرة سيّئة أن تقرأَ للصّمة وأنتَ أرِقٌ.

وظلَّ بعينيك اللجُوجَيْن واكفٌ من الدَّمْع أنْ لا يَنطقَ الطللُ القفْرُ.. _الصِّمّة. يبكي أن لا تكلمه آثار الديار.

الشهر كأسبوع.. الأسبوع كيوم.. اليوم كساعة! هل تقلقكم سرعة مرور الوقت كما تفعل بي؟ اللهم أحسن لنا الختام!

ثم أجال نظرَهُ في الصحراء التي يُضيئُها البدرُ وقال: تسألُ يا أبا شجاع ما الذي ذكرني بالنساء! أليس الشيءُ بالشيء يُذكر؟ وأيّ شيء أشبه بالمرأةِ من الصحراء؟ أخذ قبضةً من رمل الصحراء الناعم يتحسسهُ، وقال مستأنفاً: هل تجدُ أنعم من رملها؟ على أنّ أحمق الرجال من يغترّ بنعومتها. فإن لم تُحسن التأتي لها أرتك من بأسها ما يهون به بطش الرجال.. رياح سافية تعمي البصر، وشمس حارقة، وعطش قاتل، وكثبان تغيّر مواضعها، ورمال تبتلعك بلا رحمة. أسقطَ الرملَ من يده ببطء، بينما علّق أبو شجاع: هه أنتَ في حالك لو نظرتَ إلى أيّ شيء لوجدتَ فيه شبهاً بالمرأة، فالرغبة تفعل هكذا. قال: صدقتَ في هذا يا أبا شجاع.. النخلة طولها، والمها عيونها، والظبيةُ التفاتتها، والمطر دموعها، والعواصف غضبها، والخزامي أنفاسها، وعود الخيزران قوامها، وتقلّب الليل والنهار تقلبها بين الإقبال والإدبار، وإن شئتَ زدتُ. _لا، لا تَزدْ. #وليد_سيف

أحنّ إليكم كلما لاح بارقٌ وأسأل عنكم كلما هبّت الصَّبا

لخَولَةَ بِالأَجزاعِ من إِضَمٍ طَلَل وبالسفحِ من قَوٍّ مقامٌ ومُحتَمَل فلا زالَ غَيثٌ من رَبيعٍ وصَيِّفٍ على دارِها حَيثُ استَقَرَّت، لَهُ زَجَل

ويلٌ لهذا.. مِنْ هذا! وأشار إلى رأسه أولاً ثم إلى لسانه.