طَاقَةٌ بِالمُوجَب

حينما يوشكُ عامٌ جديدٌ على الإقبال، لا أستحضرُ إلا قولَه -عزَّ وجل-: ﴿ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذَٰلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ﴾، ولا أرى استحضاري هذا إلا حسنَ ظنٍّ بالله. إحسانُ الظنِّ بربِّي يُطمئنُ قلبي على سلامتِه، حتى وإن كانت الدنيا منقلبةً رأسًا على عقب.. يرى كثيرٌ مِن الناسِ أنَّ الإنجازَ: شراءُ سيارةٍ، أو الزواجُ من فلانةٍ، أو إقامةُ المحتوى الفلانيِّ، وعلى الصعيدِ الآخرِ، هناك مَن يقولُ: لم أختِمْ القرآنَ حفظًا، والبخاريَّ ومسلمَ سردًا، ويجلدُ حالَه على قلةِ جهدِه. ولو تعلمونَ أنَّ حتى تبسُّمَكم رغمَ الآلامِ إنجازٌ، ذكرَكم للهِ رغمَ جفافِ الألسنةِ إنجازٌ، سجودَكم له رغمَ تصلُّبِ الظهورِ إنجازٌ، دعائَكم وتضرعَكم رغمَ الإبادةِ إنجازٌ، بكائَكم رغمَ قسوةِ القلبِ إنجازٌ، خُلُوَّكم باللهِ رغمَ الضجيجِ إنجازٌ، صبرَكم رغمَ الغياهبِ إنجاز.. وكلُّ هذا إحسانُ ظنٍّ باللهِ رغمَ إبهامِ الرؤيةِ، ولو خرجَ المرءُ منَّا مِن عامِه بحسنِ ظنِّه بربِّه لفازَ، نجى مِن النارِ شخصٌ التفتَ خلفَه وهو ذاهبٌ إليها وقالَ: ما كانَ هذا ظنِّي فيك يا ربّ؛ فأدخلَه اللهُ الجنةَ! أيْ ربِّي، ليسَ لديَّ زادٌ إلا أنَّ ظنِّي فيك يا رحمـٰن جميلٌ، فاعفُ عنِّي.

ﺛﻼﺙُ ﻣﺸﺎﻛﻞ ﺗُﺤﻞ ﺑﺜﻼﺙِ ﻭﺳﺎﺋﻞ: ﺍﻷﻭﻟﻰ: ﺇﺫﺍ ﺍﺑﺘُﻠﻴﺖ ﺑﺤﺐ ﺍﻟﺸﻬﻮﺍﺕ. - ﺍﻟﺤﻞ: ﺭﺍﺟﻊ ﺣﺴﺎﺑﺎﺗﻚَ ﻣﻊ ﺍﻟﺼﻠﻮﺍﺕ. - ﺍﻟﺪﻟﻴﻞ: ﻗﺎﻝ ﺗﻌﺎﻟﻰ: ﴿فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا﴾. ﺍﻟﺜﺎﻧﻴﺔ: ﺇﺫﺍ أﺣﺴﺴﺖ ﺑﺎﻟﺸﻘﺎﺀ ﻭﻋﺪﻡ ﺍﻟﺘﻮﻓﻴق. - ﺍﻟﺤﻞ: ﺭﺍﺟﻊ ﺣﺴﺎﺑﺎﺗﻚَ ﻣﻊ ﺃﻣﻚَ. - الدليل: ﴿وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا﴾. ﺍﻟﺜﺎﻟﺜﺔ: ﺇﺫﺍ ﺷﻌﺮﺕ بالاﻛﺘﺌﺎﺏ ﻭﺍﻟﻀﻨﻚ. - ﺍﻟﺤﻞ: ﺭﺍﺟﻊ ﺣﺴﺎﺑﺎﺗﻚَ ﻣﻊ ﺍﻟﻘﺮﺍٓﻥ. الدليل: ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا﴾. لا تحتفظ بها في جهازكَ؛ فهناكَ مَنْ يحتاج لها، قريبًا سترحل ويبقى مَا قدمت.

سيناريو متواصل بقاله عشرات السنين ومفيش حد بيتحاسب وكله في مكانه والعجله بتدور! #أحمد_رفعت.

"حاوِل مرةً أُخرى". خُذْ نَفَسًا عميقًا وقُمْ، المُحاولة تجعلكَ ناضجًا وذو خبرةٍ جيدة. السَّعي، والمحاولة، والعثرات، تجعلكَ ناضجًا مبدعًا فخورًا بنفسكَ. نُهوضكَ رغم نفاذِ طاقتكَ، اللَّهُ يراه؛ فأجركَ عظيمٌ ومُضاعفٌ. لا تتهاونْ في أورادكَ، وحاولْ كُلَّ دقيقةٍ وكُلَّ ساعةٍ، ولا تقفْ حتَّى تصلَ. مَا تفعلهُ اليومَ هو ثمرةُ الغدِ؛ فاحرصْ على مَا ينفعك.

"واللَّهُ تعالىٰ لا يُضيع مَا تحملَهُ عَبدُهُ لأجلِهِ". احتسبوا سهركم، وتعبكم، وقلة راحتكم، وأحيانًا دموعكم للّٰهِ، نتائجُ الدنيا مهمة، والمؤمنُ القويُّ خيرٌ وأَحَبُّ إلىٰ اللّٰهِ. لكنْ لا يوجد شيءٌ مضمونٌ يكافئ جهودكم غير ثوابِ وأجرِ الاحتساب. لا تنسوا نواياكم يا أحباب! وأعانَ اللّٰهُ كُلَّ مَنْ يحاولُ.

أقدارُكم تؤخذ من أفواهكم، فإن دعوتَ الله بالنجاحِ ستنجح، وإن دعوتَهُ بالتيسير سيُيَسِرُ لكَ أموركَ كلها، كما أنَّ الله لن يُلهمكَ الدعاء بشيءٍ لا يُريده لكَ ولا ليمنعكَ أجره، بل يُلهِمُكَ لأنه يُريدُكَ أن تأخذَ ما تتمنى بإذنه، فتفاءل بالخيرِ تَجِدهُ، واعلم أنَّ الله ما دامَ قَد ألهَمكَ الدعاءَ، فأُمنيتكَ لك.

‏انتكست مِن جديد؟ تُب مِن جديد.. بابُ التَّوبةِ لا يُغلَق إلَّا ببلوغِ الرُّوح الحلقوم عند الموت، وأنت لا زلتَ بعدُ حيًّا.. أو طلوع الشَّمس من المغرب، وهذه لم تأتِ بعد، فما يمنعك مِن إعادةِ الدُّخول؟ ونيلُ رضا اللهِ والقبول؟! ‏اليأسُ أعظم فخاخ إبليس، يوقع فيه المُذنبين والتَّائبين، ولذا قرنَهُ اللهُ -عزَّ وجلَّ- بالكفرِ ليزجرنا عنه، فقال: ﴿إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ﴾. ‏ومع هذا.. ادرسْ سببَ سقوطِكَ وتجنبهُ في المرةِ القادمة، وخطِّط لها جيدًا، واستعد لجولةٍ مع شيطانك، تبدؤها بطاعاتٍ تكفِّر بها سيئاتَك، وتسترد بها عافيتك الإيمانيَّة وثقتك بنفسك، ﴿إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ﴾ فأبشِر.

حينَ تضيقُ بك الأحوالُ، وتثقلُ عليك الأيامُ، حينَ تشعرُ بالهوانِ أو العجزِ عنِ القيامِ؛ تذكَّر قولَ رسولِ اللهِ -ﷺ-: «اللهمَّ إني أعوذُ بكَ منَ الهمِّ والحزنِ، والعجزِ والكسل». وتذكَّرْ دعاءَ موسى -عليه السلام-: ﴿...رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي ‌‎۝ وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي ‎۝ وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي ‎۝ يَفْقَهُوا قَوْلِي﴾ [سورة طه: ٢٨:٢٥]. تذكَّر قولَ اللهِ -تعالى-: ﴿إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا﴾. وقولَهُ -جلَّ عُلاه-: ﴿أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَىٰ﴾. كلُّها آياتٌ تخاطبُك، تخبرُك أنَّ اللهَ موجودٌ، يرى تخبُّطَك، وقلةَ حيلتِك، فاستعِن باللهِ ولا تعجِز، وأكمِل سيرَك على بركةِ الله.

كل خيرٍ في الدنيا مرهونٌ باستمرارية السعي، حتى أنَّ أحبَّ الأعمال إلى الله أدومها وإن قلَّ، السائرُ على الطريق حتمًا سيصل ولو مشى كل يوم خطوةً واحدةً، أما القاعدُ فلن يصل إلى أي وجهة، جُبلت النفسُّ على حبِّ الراحة، والراحة ليست غاية الدنيا، ما تغصِبُ نفسك عليه اليوم ستشكرُ نفسك عليه غدًا، وما كان بالإجبار أمس ستحبه عندما تعتادُ عليه، من أراد شيئًا فليُشمِّر ويتوكل على الله ويبدأ، حتى لو لم يصل فإنَّ الموتَ على الطريق وصول. وتذكَّر قولُهُ -ﷺ-: "إنْ قامَتِ السَّاعةُ وفي يدِ أحدِكمْ فَسِيلةٌ، فإنِ استطاعَ أن لا تقومَ حتىٰ يَغرِسَها، فلْيغرِسْها". فقم، واغرِس فسيلتَك!