الجُمـ𓂆ـان

…

في السـاعات الأولى من صباح يومِ الأربعاء الموافق 28/6/2022 أديتُ سنةَ الفجرِّ وأتبعتها بركعتيّ الفرض، أخذت نفساً عميقاً ملئت بهِ شُعبي الهوائية؛ قدمتُ كعادتي لنفسي دفعةً معنوية قصوى فاليوم هو يوم إمتحان الكيمياء للفترة الثانية بالسنة الثالثة من مرحلةِ التعليم الثانوي، أخذت هذه الدفعة المعنوية بصدرٍ رحب على الرغم من أنّي لم أدرس الفينولات على أتم وجه ولازلت خائفة من معادلات الكحولات إلّا أنّي أقفلت كتبي وتوكلتُ على ربّي، كنت أملك شيئًا من السعادة على الرغم من تعاسة الأمتحان، ففي تمام الثالثة والنصف ليلاً وصل أبي مُصاحباً إخواني من رحلة سفر بدأت من أوروبا و إنتهت في بيتنا ، في الحقيقة إن جدتي مريضة، قد أفضى إلينا الطبيب قائلاً إنها في أيامها الأخيرة ، إلّا إن أبي أبى أن يستسلم فأخذها و عمي و عمتي إلى البلاد المجاورة للعلاج ، لطالما كانت جدتي عندما ترى أخي محمد (أو كما تُفضل أن تناديه حمودي )في المكالمة المصورة بالهاتف كانت تدعو قائلة ( ياربي مانموتش لين نشوفك) بحكمِ أن أخي مُسافرٌ لغرض الدراسة ، عندما سمع بمرضها حجز و أخي أول رحلة وذهبا لرؤيتها ،؛ إن جدتي مريضة زهايمر تكاد تتذكر أبنائها إلاّ أنها وعلى عكس المتوقع عند رؤية أخويّ بدا وكأنها عرفتهم هي لم تنطق ولكن عيناها فعلت، أبتْ دموعها أن تبقى دون أن تتحرر عندما رأتهم، بكى إخواني أدمع أبي خنقتني وأمي العبرة بمجرد رؤيتها في الهاتف، كان على أبي أن يرجع و إخوتي إلى البلاد، فليس لدينا أحد فقط أنا و أمي و أخواتي ، قرر أبي أنه سيرافق إخوتي في رحلة رجوعهم إلينا بسبب الأوضاع الأمنية المتضربة في طريق البر بين الدولتين على أنه سيعود إلى جدتي صباحاً، فهي تُحبه كثيراً وفاض حُبها له لأبنائه فلطالما أحبتنا دونما باقي أحفادها ولطالما نادت أمي بإبنتي دون باقي أزواج أولادها، خلدنا للنوم ليلتها على أن في صباح اليوم التالي سيرجع أبي إليها في أول رحلة، هاهو فجرالإربعاء -كما سبق وبدأت-، بعدما إنتهيت من صلاتي إتجهتُ لغرفةِ أبي ليستيقظ و أمي للصلاة؛ دلفَ أبي إلى دورة المياه ليتوضأ، بينما أكمل أنا رحلتي لباقي إخوتي ، في هدوء الفجر، من المفترض أنك لا تسمعُ إلا صوت صنبور المياه لمن يتوضأ لكن على غير العادة رنّ هاتف أبي، إنقبض صدري، نظرت أمي للهاتف بريبة ، أن يقطع أبي وضوءه هذا ثامنُ المستحيلات؛ ولكنه فعلها! ذهب مسرعاً إلى الهاتف، كنت واقفةً في وسط غرفتي عندما تناهى إلى مسامعي صوت أبي متحشرجاً بالدموع مردداً (لا إله إلّا الله لا إله إلّا الله ) سرعان ما فهمت أن روحاً طاهرةً مُحبةً قد رجِعت إلى خالقها، ما عادت قدماي تحملانني أُصبت بلحظة هلع لم أعهدها ! أخذتني قدامي إلى غرفةِ أخواي بدأت بأكبرهما ومن ثمَ الأصغر لا أعتقد أنهما فهما ما أتفوه به! ولكن وضحت الصورة عند رؤية دموعي وسماع توحيد أبي وبكاء أمي . بعد ذالك بربع ساعة كنتُ و جميع إخوتي واقفون أمام غرفةِ أبي قد أغرقتنا الدموع ، مع أن بابها كان مفتوحاً إلّا أن أحداً منّا لم يتجرأ أن يدخل إليها، حتى خرج هو إلينا أخذني و إخوتي في حُظنٍ واحد أحطنا بهِ جميعاً -أحبائه- إلّا واحدة ! لقد سبق و أوصتنا أن يتم تغسيلها في صالون بيتنا وأن يخرج نعشها من بيتنا، مازل قلبي ليومنا هذا ينقبض عندما أدخل حيث غُسّلت، لازلت أختنق عندما أسرح في بوابةِ منزلنا فترجعُ بي ذاكرتي إلى يومها فقد خرجت منها محمولةً على الأكتف مُبكية للأعين قابضة للقلوب! مازال نظري يتجهُ إلى بيتها عند رجوعي من الخارج فقد إعتدتُ أن تكون أول من أرى عند رجوعي . زارتني مرتين في المنام، أحدهما كُنت فيه أبكي على كتفها بكاء المشتاق حتى أنّي أكاد أقسم أنه عندما أفقت قد شممت روحها بجانبي ! ربّي قد أحببتها حُباً فاق حبنا لها فأخذتها إلى جِوارك ربي عهدتُ منك الرحمة للقلوب القاسية ، فكيف بقلبِ أم لم يكتفي بحبِ أبنائها ففاض به لأحفادها ربي أسئلك بأنك لا إله إلّا أنت الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفؤًا أحد بأن تغفر لها ذنوبها كلها كبيرها وصغيرها و تتجاوز عن سيئاتها وأن تجعل قبرها روضة من رياض الجنّة . -رحم الله روحكِ حنينة.

جفّ حبري، توقف نبض قلمي، رغم أن عقلي يضج بما يحتوي!.

عن شكَل بن حميد رضي الله عنه قال: أتيت النبي ﷺ فقلت: يا رسول الله! علّمني تعوذًا أتعوذ به، قال: فأخذ بكفي فقال: قل: ((اللهم إنّي أعوذ بك من شر سمعي، ومن شر بصري، ومن شر لساني، ومن شر قلبي، ومن شر منيي))

عسىٰ أن يجعل لي ربي من إسمي نصيب….🪻

‏"أليس من الحرمان أن يسهر الإنسان حتى الفجر، ولم يقف بين يدي ربه ليركع ولو ركعة واحدة ؟ ولو علم أحدكم فضل صلاة الوتر، لما طاب له جفن دون أن يصليها، فهنيئاً لمن ترك الفراش و أراح قلبه، بركعة في جوف الليل."