منصور الحذيفي

من عاش على مشاهدة أفلام الحب والحياة الرومانسية الحالمة= نقِمَ على واقعه، وساءت علاقته بزوجه، واتّقدَت في قلبه نار المقارنات الظالمة بين تلك الأحلام الوردية والواقع المُرّ المغمور في كبَدِ الدنيا وتقَلُّباتها.. ‏شاءَ أم أبى.. وشعر بذلك أم لم يشعر.. ‏ومفاسد الأفلام أوسع وأفظع من هذا بكثير.. ‏مع ما فيها من المحرَّمات الشرعية، وانعدام الحياء، وترويج الدياثة، وإشاعة الفواحش والمنكرات، وكل ما يبعد عن الله تعالى، ويثقل كفة السيئات.. ‏فكيف إذا اجتمع على المرء إلى ذلك: مشاهدة (مشاهير) الفسق والدعـ.ـارة، المستعرضين لعلاقاتهم المزيفة، والمتباهين بالنِّعَم بلا شكرٍ لمُنعِمها.. ‏تلك والله ظلماتٌ بعضها فوق بعض.. ‏والموفَّق من سلِمَ منها، وفرّ بدينه وأهله من تلك الفتن، ما وسعَه الفرار! ‏عافانا الله وإياكم والمسلمين منها.. وسترنا بستره في الدنيا والآخرة.

نحتاج إلى الوحدة بالقدر الذي يجعلنا نتعافى من جراح الخُلطة ومراراتها، ونرى أنفسنا بوضوحٍ أكبر، ونستمع لصوت قلوبنا.

من أسوأ ما في صنعة الإعلام والشهرة أنها قد تُكسب صاحبها الرغبةَ في الانتشار على حساب الصدق والعدل والأخلاق.. فترى الإعلامي أو المشهور المصاب بهذا الداء يحب الإثارة، ويسيء للآخرين، أو حتى لنفسه، ويُجازف بإطلاق الأحكام الحادّة، كل ذلك من أن أجل الانتشار، ولا يلبث أن تستضيفه القنوات، وتُعقد لرأيه الندوات، ويجد الفارغون في كلامه مادةً للتسلية وتزجية الأوقات والاستفادة من "الترندات"، وكلٌّ يُدلي بدلوه ويغني على ليلاه وعينُه على غنيمته الخاصة!

مشكلة غالب النقد المعاصر أن لغته معقدة جافة، أكاديمية، ثم إنها لغة غريبة على عالم الشعر، فالمحسن من الشعراء يلامس المشاعر، ويُذيبها في كيان الشعر، ويختار الألفاظ التي تناسب مقامه وتبث في شعره الحياة والثراء، فيأتي الناقد ليتناول تلك اللغة الشاعرية بألفاظ حجَرية متزمتة حدِّية، ولذلك لا نرى لها أثراً في التعريف بالشعراء وشعرهم، ولا في بعث حياةٍ نقدية تتفيأ ظِلال الشعر وتُجلّي أدقَّ روائعه، وتميِّز للمتلقي العادي رفيعَه من وضيعه.

لا أحب الذين يدققون في الكلام إلى درجةٍ تشبه الوسوسة.. وكثيرٌ ممن يفعل ذلك إنما يغطّي أو يعوِّض به ضعف المعرفة، فيجد له على كل كلام اعتراض واستدراك يثبت به وجوده، وإن كان ذلك الاستدراك مُعتسَفاً خالياً من الفائدة ومن أحقّية الذكر.

وما كان بُعدي عنك إلا لأقترب..

قل ما شئت، ودعك منهم ومن كل تأويلاتهم البعيدة الظالمة.. يكفيك -يا صديقي- أن قلباً واحداً يحبك ويحس بك ويفهمك حتى لو أخطأت التعبير.. هو قلبي!

أخطر من كل هزائم الظاهر: أن ينهزم قلبك.. قد تتحطم الحصون الخارجية كلها، ويبقى القلب قائماً عزيزاً.. ‏أجل، إذا لم "يستسلم" قلبك فأنت منتصر!

كل الأشكال الأدبية حين يطرقها الأديب يجد سلوةً وراحة، ويستجمُّ بها من شيء من معاناته.. لكني أزعم أن الشِّعر مختلف جداً في ذلك، فالشاعر حين يوزِّع جراحه على "مفاعيل" الشعر، ويُقسِّم آهاته على إيقاعاته= يشعر بأنه ينتصِف لنفسه من همومه، ويردّ لها شيئاً من اعتبارها، فيخرج من حالة البوح أهنأَ بالاً، وأفسحَ صدراً وأسعدَ بتعبيره وبيانه من كثيرٍ من الناثرين.

كثيراً ما نُعامل بعض البشر كما نُعامل نَومَةَ العصر: نَرميها بالجنون ولا نستطيع الاستغناء عنها! 😄