الشيخ ماجد الراشد/ العلمية

🎯 تحكيم الشريعة: الإسلام هو الاستسلام لأمر الله، وامتثال أمره ونهيه لتحقيق الصلاح وتقليل الفساد في حق الفرد والمجتمع والأمة، وفي جميع نواحي الحياة ومنها: 1- صلاح القلب بالعمل الصالح كالإخلاص لله ومحبته وخشيته ورجائه والإنابة إليه... إلخ. 2- صلاح اللسان بالعلم النافع، والعمل الصالح. 3- صلاح الجوارح بفعل الطاعات، واجتناب المنهيات. ويجمع ذلك التحلي بالفضيلة، والتخلي عن الرذيلة. 4- صلاح المجتمع بأن يحب كل فرد لغيره ما يحب لنفسه، وبنشر كل فضيلة، ومحاربة كل رذيلة كالظلم أو الاعتداء على الناس أو أعراضهم أو أموالهم أو الممتلكات العامة أو الخاصة. 5- صلاح الأمة ووحدتها، واستغناؤها عن أعدائها، واعتمادها على رجالها في جميع التخصصات، وقوتها على جميع أعدائها حتى تكون كلمة الله العليا. 1) السيادة للشريعة والسلطة للأمة: الاستبداد في الحكم سنة الفرس والمجوس، وفي الصحيح: (لا يحتكر إلا خاطئ)، فإذا ترتب على الاستبداد ظلم الناس، ومصادرة حقوقهم في اختيار الحاكم، فهو من الكبائر. وليس في الإسلام وراثة الملك والحكم للأبناء، بل فرّقت الأحاديث بين الخلافة والملك. وليس من الإسلام سياسة التغلب بسفك الدماء، وإنما هي من أفعال الجاهلية. 🔥 والحكم عقد بين الحاكم والمحكوم، لا يكون إلا برضى الطرفين، واتخاذ القرارات قائم على الشورى، والأدلة في الشورى متكاثرة متواترة، فمن ألغاها ليشرعن التغلب، فهو مفسد في الأرض يريد إقامة الشريعة بأسلوب المجوس. والأمة كلها مسؤولة عن إقامة دينها وسيادتها وقوتها بفروض الكفايات، لأن القرآن يخاطب كل مسلم: يا أيها الذين آمنوا....، وكذا عموم السنة:(من رأى منكم منكرا فليغيره...) وهكذا، وإنما يكون على أصحاب الولايات الذين تختارهم الأمة مسؤولية ولاياتهم، والأمة تحاسبهم. 2) من أين نأخذ أحكام الشريعة؟ الأحكام الشرعية على قسمين: الأول: أحكام ظاهرة، وأدلتها واضحة، فيجب العمل بها، ولا عبرة بمن خالفها. الثاني: أحكام ليست واضحة تنازعتها الأدلة، وتبعا لذلك اختلف العلماء فيها، فهذه لا يجوز الخروج فيها عن أقوال السلف، ويتحرى طالب العلم فيها الحق، وبينهما درجات. ومن ليس بطالب علم فيتبع من يثق بدينه وورعه وعلمه. 3) الأحكام الشرعية بين الهوى والهدى: الواجب على المسلم أن يقبل بحكم الكتاب والسنة في كل زمان ومكان ويسلم تسليما. والواجب أن يقول الحق ولو على نفسه، وينصف مخالفه، ولو كان عدوا. 🔥 ومن علامات أهل الهدى أنهم يقبلون بحكم الشخص الذي اتفقوا عليه، والقضاء المستقل، ومن علامات أهل الهوى أنهم لا يقبلون إلا بمن يحكم لهم كالمحاكم الحزبية والسياسية. فالأحكام الشرعية لبراءة الذمة، وعندما يكون الشخص مستعدا للمثول أمام القضاء المستقل فهو في الغالب صافي النية، وطيب الطوية، وعندما يتحايل على المحاكم والأحكام، فهو ماكر مخادع، وسيبحث عن ألف قاض وحاكم حتى يجد من يحكم له، ثم يثرثر بلسانه. 4) المفسدون في الأرض يستخدمون الشريعة ولا يخضعون لها: الطغاة والبغاة ينشئون المحاكم الشرعية في البلاد التي يسيطرون عليها، لأجل أن يحاكموا كل معارض ومخالف، فإن جاء حكم القاضي على غير هواهم سحبوا القضية من القاضي، وحولوها إلى قاض آخر، وتحت تهمة الفتنة وشق الصف لا يسمحون إلا للمطبلين والتطبيل. 5) أداء الحقوق والواجبات قبل إقامة الحدود والعقوبات: تحكيم الشريعة في المجتمع يعني قيام الحاكم وأصحاب الولايات بأداء الحقوق التي عليهم، وفعل الواجب المنوط بهم على أكمل وجه، ومن ذلك حفظ المجتمع من الشبهات والشهوات، وكفالة الجياع، وتوفير الأمن، والقيام بالخدمات الأساسية للناس. 🔥 العمل بالعقوبات مع توفر الدعوات للمنكرات وصعوبة وجود المباحات ظلم وضلال، فمن يسرق ثروات البلد حتى أصاب الناس الجوع والفقر حتى سرقوا فقطع يده أولى من قطع أيديهم لأن الحدود تدرأ بالشبهات، ومن دفعته الضرورة والحاجة للحرام فهي شبهة. 🔥 المقصود توفير احتياجات الناس وضرورياتهم حتى لا يقعوا في الحرام، فإذا قامت الدولة بذلك فلا شبهة في تلك الحال، وعندئذ تأتي العقوبات للردع والزجر. وأخيراً: الشريعة لهداية الخلق وإصلاح المجتمعات لا لتصفية الحسابات. 🔥 يا قوم: اقتلوا واسجنوا واظلموا واكذبوا، ولكن ليس باسم الشريعة، ولا باسم الإسلام، لأن الإسلام بريء من الظلم، وسفك الدماء، والفساد في الأرض.

🎯ترجمة ابن المديني: ١) اسمه: علي ‌بن ‌عبد ‌الله بن ‌جعفر، أبو الحسن، ٢) منزلته في العلم: أحد حفاظ الدنيا في عصره، قال يحيى القطان وابن عيينة: يلومونني في حب ابن المديني، وأنا أتعلم منه. قال ابن مهدي: ابن المديني أعلم الناس بالحديث. وقال أبو حاتم: كان علما في الناس في معرفة الحديث والعلل. قال أبو داود: ابن المديني أعلم من أحمد باختلاف الحديث. وقال صالح جزرة: أعلم من أدركت بالحديث وعلله علي بن المديني. كان ابن المديني إذا قدم بغداد تصدر، وجاء يحيى وأحمد بن حنبل والمعيطي والناس يتناظرون، فإذا اختلفوا في شيء تكلم فيه علي. قال ابن المديني: ما نظرت في كتاب شيخ فاحتجت إلى السؤال به عن غيري. ٣) موقفه في المحنة: أجابهم إلى ما أرادوا، وساعدهم على أحمد بن حنبل، فقد احتج أحمد على ابن أبي دؤاد بحديث الرؤية الصحيح، فلم يعرف جوابا، فقال للمعتصم: أمهلني أنظر في سنده، فأرسل إلى ابن المديني الهدايا والعطايا، ثم سأله عن علة الحديث، فأخبره بما يقوّي حجته مع مخالفته للحقيقة، فلما حضر عند المعتصم ذكر له التعليل العليل، ولم يجد سواه. والقصة مطولة في ترجمته في تاريخ بغداد. 🔥 قال أبو سياف: أهل الحديث والسنة هم أولى الناس بالعزائم، أما الرخص فيستطيعها كل أحد، ولذلك أقول: قبول عطايا السلطان وشيوخه هي فتنة العلماء في كل زمان، ولذلك لم يقبل منهم أحمد أخذهم بالرخصة، فكيف بما دونها. لقد أدركنا أناساً ألسنتهم عسل على أعداء الله من المنافقين وشيوخهم، وحنظل على أولياء الله الذين يقدمون التضحيات تلو التضحيات من النفس والنفيس نصرة لهذا الدين. ٤) موعظة بليغة: قال أبو يوسف القلوسى: قلت لابن المديني: مثلك في علمك وتجيبهم؟ فقال: ما أهون عليك السيف. 🔥 قال أبو سياف: حين يكون السيف هيناً، بل كرامة عند العالم فإنه لا يخاف في الله لومة لائم، وبغير هذا الطريق يكثر الكذب والتدليس، والنفاق والتلبيس، وكل ذلك في صحائف الأعمال التي لا تغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصتها. 🚫 لقد قرأت ترجمته، فتذكرت حال المتأولين من طلاب العلم الذين سخّروا العلم للطاغية، ووقعوا بشرّ أعمالهم، وهم لا يشعرون.

🎯ترجمة ابن المديني؛ ١) اسمه؛ على ‌بن ‌عبد ‌الله بن ‌جعفر، أبو الحسن، ٢) منزلته في العلم؛ أحد حفاظ الدنيا في عصره، قال يحيى القطان وابن عيينة: يلومونني في حب ابن المديني وأنا أتعلم منه. قال ابن مهدي: ابن المديني أعلم الناس بالحديث. وقال أبو حاتم: كان علما في الناس في معرفة الحديث والعلل. قال أبو داود: ابن المديني أعلم من أحمد باختلاف الحديث. وقال صالح جزرة: أعلم من أدركت بالحديث وعلله علي بن المديني. كان ابن المديني إذا قدم بغداد تصدر، وجاء يحيى وأحمد بن حنبل والمعيطى والناس يتناظرون، فإذا اختلفوا في شئ تكلم فيه علي. قال ابن المديني: ما نظرت في كتاب شيخ فاحتجت إلى السؤال به عن غيرى. ٣) موقفه في المحنة؛ أجابهم إلى ما أرادوا، وساعدهم على أحمد بن حنبل، فقد احتج أحمد على ابن أبي دؤاد بحديث الرؤية الصحيح، فلم يعرف جوابا، فقال للمعتصم أمهلني أنظر في سنده، فأرسل إلى ابن المديني الهدايا والعطايا ثم سأله عن علة الحديث فأخبره بما يقوّي حجته مع مخالفته للحقيقة، فلما حضر عند المعتصم ذكر له التعليل العليل، ولم يجد سواه. والقصة مطولة في ترجمته في تاريخ بغداد. 🔥 قال أبو سياف: أهل الحديث والسنة هم أولى الناس بالعزائم، أما الرخص فيستطيعها كل أحد، ولذلك أقول: قبول عطايا السلطان وشيوخه هي فتنة العلماء في كل زمان، ولذلك لم يقبل منهم أحمد أخذهم بالرخصة، فكيف بما دونها. لقد أدركنا أناساً ألسنتهم عسل على أعداء الله من المنافقين وشيوخهم، وحنظلا على أولياء الله الذين يقدمون التضحيات تلو التضحيات من النفس والنفيس نصرة لهذا الدين. ٤) موعظة بليغة: قال أبو يوسف القلوسى: قلت لابن المديني: مثلك في علمك وتجيبهم؟ فقال: ما أهون عليك السيف. 🔥 قال أبو سياف: حين يكون السيف هيناً، بل كرامة عند العالم فإنه لا يخاف في الله لومة لائم، وبغير هذا الطريق يكثر الكذب والتدليس، والنفاق والتلبيس، وكل ذلك في صحائف الأعمال التي لا تغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصتها. 🚫 لقد قرأت ترجمته فتذكرت حال المتأولين من طلاب العلم الذين سخّروا العلم للطاغية، ووقعوا بشر أعمالهم وهم لا يشعرون.

🎯 من حياة البخاري: 🔥 ألف البخاري التفسير وهو مرابط في فربر. 🔥 العلم والجهاد والزهد مشتركة بين المحدثين السابقين. 🔥قبيل وفاة البخاري حدث له بلاء مع شيخه الذهلي، وكان للذهلي قوة مع استعانة بالسلطان، فلما مات البخاري تناقلوا كتبه ولم ينسبوها له لهذا السبب، فقد سار مسلم على طريق البخاري في مؤلفاته، ولم ينسب له شيئا مع شدة محبته له، ووقوفه معه وقت محنته، إذ لم يرو عن الذهلي لأنه تكلم في البخاري، ثم اضطر إليه وروى عنه بواسطة. قال أبو أحمد الحاكم: من تأمل كتاب مسلم في الكنى علم أنه منقول من كتاب محمد (البخاري) حذو القذة بالقذة، وتجلد في نقله حق الجلادة إذ لم ينسبه إلى قائله. 🔥 قال أبو سياف: وهكذا فعل ابن أبي حاتم حين قرأ تاريخ البخاري على والده وعلى أبي زرعة، وأضاف له، ولم ينسبه إلى قائله بسبب ما حدث للبخاري من بلاء، ومات مغتربا عن بلده.

4=ورواه{ابن وهب عن عمرو بن الحارث عن سعيد بن أبي هلال عن عمر بن الحكم عن أبي اليسر مرفوعا به} حم١٥٥٢٢، س٦١٦. قال أبو سياف: رقم4 سنده جيد؛ سعيد بن أبي هلال معادلته: قط، تم١+١-١حم، وبقيتهم ثقات. فإن قيل: لم لا يكون سعيد بن أبي هلال قد اضطرب برقم3+4؟ والجواب: لأننا أثبتنا أن المقبري اضطرب فيه، فلا قيمة لمعارضته، وحتى لو سلكنا طريق الترجيح لكان الراجح عن المقبري رقم1، فيكون رقم3 غير محفوظ، فيبقى رقم4 سليماً من المعارضة، ولهذا قدمت طرق المقبري. 5=ورواه{ابن إسحاق ثنا محمد بن إبراهيم التيمي عن عمر بن الحكم بن ثوبان عن ابن لاس عن عمار مرفوعا به} حم١٨٣٢٣، بز١٤٢٢ وسقط منه ابن لاس. قال أبو سياف: رقم5 سنده ضعيف: ابن إسحاق معادلته: ي عة٢-٣ تم س قط، وروايتان: مع حم، وبقيتهم ثقات، وابن لاس صحابي: ي تم. ومن يحتج بابن إسحاق في غير السيرة فهذا الطريق حسن. فإن قيل: لِم لَم تجعل المدار لرقم4+5 على عمر بن الحكم؟ والجواب: التحقيق أنهما اثنان، كما فرق بينهما: خ عة تم. ومزيد من التفاصيل في تحقيق الطرق ورجالها في مسند عمار بن ياسر. والحمد لله.

حديث: {إنَّ العبدَ لَيُصَلِّي الصَّلاةَ ما يُكتَبُ له منها إلَّا عُشرُها، تُسعُها، ثمنُها، سُبعُها، سُدسُها، خمسُها، ربعُها، ثُلثُها، نِصفُها} 1=رواه{عبيد الله عن المقبري عن عمر بن أبي بكر عن أبيه عن عمار مرفوعا به} حم١٨٨٧٩، س٦١٤. 2=ورواه{ابن عجلان عن المقبري عن عمر بن الحكم عن ابن عنمة عن عمار مرفوعا به} حم١٨٨٩٤، د٧٩٦، س٦١٥. 3=ورواه{سعيد بن أبي هلال عن المقبري عن أبيه عن أبي هريرة مرفوعا بنحوه} س٦١٧. قال أبو سياف: هذه خلاصة الاختلافات على سعيد المقبري، وأمامنا ثلاثة خيارات: الأول: طريق التعدد، أي أنها كلها محفوظة لأن المقبري ثقة، والرواة عنه ثقات، وهو بعيد عن التحقيق العلمي لعدم وجود القرائن الدالة على التعدد كرواية جماعة لها عن المقبري، ورواية ثقة لها عن المقبري. الثاني: طريق الترجيح، فنجزم بأن المقبري حفظ أقواها عنه، والباقي أخطأ فيه الرواة عنه، وهذا بعيد لأن الواحد أولى بالتخطئة من جماعة الثقات، فيلزم من هذا تخطئة المقبري وسلوك الطريق الثالث. الثالث: طريق الاضطراب، أي أن سعيدا المقبري اضطرب فيها لأننا استبعدنا الطريقين السابقين، فلم يبق إلا الاضطراب، وهذه تفاصيلها: رقم1 سنده ضعيف؛ اضطرب المقبري في سنده، وفيه انقطاع: أبو بكر أحد الفقهاء السبعة لم يسمع من زيد بن ثابت، ومن باب أولى لم يسمع من عمار، لأنه مات قبله بسنين، مع تباعد البلاد. ورقم2سنده ضعيف؛ اضطرب فيه المقبري، وابن عنمة لم تثبت صحبته، فهو مجهول الحال. ورقم3 سنده ضعيف؛ رجاله عدول، ولكن اضطرب فيه المقبري.

9 20) جهاد واستشهاد: هـٰذا الدين لا ينتصر إلا بالتضحية والفداء؛ بالنفس والنفيس، من أهل ومال وأرض وبلد وغربة، كما هاجر الصحابة إلى المدينة بدينهم، ثم هاجروا في الأرض لنشر دينهم، وعلىٰ أكتاف أهل التَّضحيات تقوم الدَّعوات، وتحيا الأمم، وينتصر الدين، وهل صار الأئمة أئمة إلا بذلك؟ ومع طول الطريق نحتاج إلى الصبر واليقين: <وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا ۖ وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ>، فالهداية لا تكون إلا بأمر الله، ومراغمة من يتهربون من شريعته، ويتنصلون من تكاليفه. 🔥 أفعال وأقوال: عاب الله على المؤمنين في زمن النبوة مخالفة الفعل للقول فقال: <يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ>، فكيف بمن يزعم محبة المسلمين، وينادي بالمُثُل العليا في إعانتهم ونصرهم ثم هو يتهمهم ويستبيح دماءهم وأموالهم بحجج متهافتة؟ لقد كشفت الأيام أن الغلاة هم أسوأ الناس في المسلمين، وإنما كان الطغاة أكثر منهم قتلا لعدم قدرتهم على القتل، وإلا لما تجاوزهم أحد في كثرة القتل، ولقد علمنا النبيﷺ أنهم شر الخلق والخليقة فقال: (يَخْرُجُونَ مِنَ الدِّينِ كَمَا يَخْرُجُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ، ثُمَّ لَا يَعُودُونَ فِيهِ، هُمْ شَرُّ الْخَلْقِ وَالْخَلِيقَةِ) م١٠٦٧، ومن أقوالهم المأثورة التي تدل على أنهم شر الخلق والخليقة: "النصرة قبل النصيرية". "أحرام الشام العدو الأول لجبهة النصرة". وعملوا على هذه القواعد سنين عديدة حتى انحسرت الثورة في جزء تحميه تركيا. ✍ المؤمنون نَصَحَة: الإسلام قائم على النصيحة: (الدِّينُ النَّصِيحَةُ) م٥٥، وهذا كقولهﷺ: {الحج عرفة} ت٨٨٩، فمن فاتته عرفة فقد فاته الحج، وكذلك النصيحة بالنسبة للدين، ولا أعظم من نصيحة نتواصى فيها بإقامة شرائع الدين، وتحقيق مقاصده في الأرض، كالحكم بين الناس بالعدل، وتحرير البلاد والعباد، من نير الاستبداد والإجرام، وتحقيق الشورى والعناية بالأيتام والفقراء والمحتاجين، والقضاء على كل من يقف في طريقنا من الطغاة والغلاة والبغاة لتحقيق أوامر الله في أرضه وخلقه. وبهذا المنشور تنتهي هذه السلسلة، والحمد لله على فضله وشرعه وقدره.

8 19) هجرة وجهاد: الابتلاء سنة الله في خلقه، ليعلم الصادق من الكاذب: <أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ، وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ۖ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ>، <وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّىٰ نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ>، <مَّا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَىٰ مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىٰ يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ>، والآيات كثيرة في الابتلاء وفوائده: ١- تمييز الصادق من الكاذب. ٢- تمييز المجاهد من القاعد. ٣- تمييز الصابر من الساخط. ثم المؤمنون درجات، والمنافقون دركات: <أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَ اللَّهِ كَمَنْ بَاءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ، هُمْ دَرَجَاتٌ عِندَ اللَّهِ>. فثباتنا أقوى من الجبال: ولربما نحت الهواء جبالها وجبالنا أرسى من الأطواد. 🔥 المجاهد المهاجر: المجاهد من جاهد نفسه في سبيل الله، والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه، وفعل ما أمر الله به، وقد قرن الله في كتابه كثيرا بين الإيمان والهجرة والجهاد: <إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَٰئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ>، <إِنَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَٰهَدُواْ...>، فالجهاد لله وفي سبيله، وما سوى ذلك، فليس له في الآخرة من خلاق. والهجرة لأجل المحافظة على دينك ودين المستضعفين، لا لأجل منصب أو مال، أو مناصرة ظالم أو مستبد أو محتكر. ⭐️ سُبُل الشياطين: لقد ابتُلينا بزمان تيسَّرت فيه أسباب الظلم والفساد والإجرام، والقتال في غير سبيل الله، فدخل الناس سبيل الشيطان من أوسع أبوابه، بأسماء شتّى، ومسميات متنوّعة، ورفع الطغاة ألويتهم، ونصبوا شباكهم وحِبالتهم، وعظمت البلية، واشتدَّت المحنة. فالمجاهد في زمن الغربة هذا أحوج ما يكون إلىٰ الوقوف مع المستضعفين والفقراء والمساكين لوجه الله تعالى، لا ينتظر من أحد جزاء ولا شكورا، وقد علم أن للجهاد ضريبة، فاستعد لدفعها رضيَّةً بها نفسه، مطمئناً بها قلبه، وبهذا وأمثاله فقط، وعلى أكتافهم تقوم دولة الإسلام، وترتفع ألوية الإيمان، ويمتدّ سلطان القرآن، كما حدث في زمن النبوة والخلفاء، رضي الله عنهم جميعاً وأرضاهم: <وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ>. ✍ فاجعل ولاءك للمؤمنين، ومناصرتك للمجاهدين، ولا تتحزب لغير المسلمين، ولا تتعصب لغير القرآن والسنة.

7 18) مرجئة الطغاة: المرجئة يرون أن الناس يتماثلون في الإيمان، فإيمان النبيين والمرسلين كإيمان الفاسقين والمجرمين. أهم أسباب ظهور المرجئة: ١= ردة فعل لظهور الخوارج، فالإرجاء مناقض تماما للتكفير، واشتركا في أن كلاً منهما يرون الإيمان لا يتجزأ، ولذلك حكَم الخوارج على المسلمين بالكفر، وأخرج المرجئة الأعمال من الإيمان رداً على تكفير الناس. والذي عليه أهل السنة أن الإيمان يتجزأ، ويزيد وينقص، وأن الناس يتفاضلون فيه. ٢= الخوف من بطش السلاطين، والخضوع للواقع أخذاً منهم بالأدلة الدّالة على فقه الضرورة! ⭐️ الأئمة المضلون: قالﷺ: {أَخْوَفُ مَا أَخَافُ عَلَى أُمَّتِي الْأَئِمَّةَ الْمُضِلُّونَ} حم٢٩٣. قال أبو سياف: هذا الأثر صحيح موقوف، وصححه الإمام الألباني مرفوعا في السلسلة الصحيحة١٥٨٢. ومن الأئمة المضلين: ١- الحكّام الظلمة، ٢- العلماء الفجرة، ٣- العُبَّاد الجهلة، ٤- الفساق الفسدة. 🔥التحذير من أبواب الظالمين: كان أئمة السلف أبعد ما يكونون عن أبواب السلاطين لظلمهم اتباعا للقرآن والسنة؛ قال تعالى: «وَلَا تَرْكَنُوٓاْ إِلَى ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ ٱلنَّارُ»، وقالﷺ: {من أتى أبواب السلطان افتتن، وما ازداد أحد من السلطان قربا، إلا ازداد من الله بعدا} حم٨٨٣٦، د٢٨٦٠، وهو في الصحيحة١٢٧٢. قال ابن المبارك: من بخل بالعلم ابتلي بثلاث: إما أن يموت فيذهب علمه أو ينسى أو يتبع السلطان. فتأمل كيف قرن اتباع السلطان بالموت! 🌎 مرجئة السلاطين: كان أئمة السلف يطلقون وصف الإرجاء على من يدورون مع السلاطين حيث داروا. قال النضر بن شميل: سألني المأمون: ما الإرجاء؟ فقلت: دين يوافق الملوك، يصيبون به من دنياهم، وينقصون به من دينهم. وقال رقبة بن مصقلة: وأما المرجئة، فعلى دين الملوك. وقال ابن معين في ابن بكير: ثقة إلا أنه مرجئ يتبع السلطان! 🔥 وجرح الراوي بسبب عمله للسلطان كثير، ومن أحسنها ما كتبه ابن المبارك لمن ولي الصدقة للسلطان: يَا جَاعِلَ الْعِلْمِ لَهُ بَازِيًّا يَصْطَادُ أَمْوَالَ الْمَسَاكِينِ احْتَلْتَ لِلدُّنْيَا وَلَذَّاتِهَا بِحِيلَةٍ تَذْهَبُ بِالدِّينِ فَصِرْتَ مَجْنُونًا بِهَا بَعْدَمَا كُنْتَ دَوَاءً لِلْمَجَانِينِ أَيْنَ رِوَايَاتُكَ فِيمَا مَضَى عَنِ ابْنِ عَوْنٍ وَابْنِ سِيرِينِ وَدَرْسُكَ الْعِلْمَ بِآثَارِهِ وَتَرْكُكَ أَبْوَابَ السَّلَاطِينِ تَقُولُ أُكْرِهْتُ فَمَاذَا كَذَا زَلَّ حِمَارُ الْعِلْمِ فِي الطِّينِ. وأشهرها قوله: وهل أفسد الدين إلا الملوك وأحـبار سـوء ورهبانها لقد رتع القوم في جيفة يبين لـذي العقل أنتانها. وقال ابن تيمية: المرجئة وأمثالهم ممن يسلك مسلك طاعة الأمراء مطلقاً، وإن لم يكونوا أبراراً. قال أبو سياف: فكيف إذا كانوا طواغيت؛ يحكمون بغير شريعة الله، ويوالون أعداء الله؟ 🚫 ترك الحسبة عليهم: قال ابن تيمية: وآخرون من المرجئة وأهل الفجور قد يرون ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ظنا أن ذلك من باب ترك الفتنة. (ف٢٠٧/٣). وقال: لا تقع فتنة إلا من تَرْكِ ما أَمَرَ الله بهِ، فإنه سبحانه أمرَ بالحق وأمر بالصبر، فالفتنة إما من ترك الحق وإما من ترك الصبر. الاستقامة٣٩/١. وسئل ابن المبارك: من السفلة؟ فقال: الذي يدور على القضاة يطلب الشهادات. ⭐️ نفاق وإرجاء: وحتى لا نقلل من خطورة الأمر نسميه النفاق كما سماه الصحابة: [ قالَ أُنَاسٌ لِابْنِ عُمَرَ: إنَّا نَدْخُلُ علَى سُلْطَانِنَا، فَنَقُولُ لهمْ خِلَافَ ما نَتَكَلَّمُ إذَا خَرَجْنَا مِن عِندِهِمْ، قالَ: كُنَّا نَعُدُّهَا نِفَاقًا] خ٧١٧٨. وقال أَنَس: [إِنَّكُمْ لَتَعْملُونَ أَعْمَالًا هِيَ أَدقُّ في أَعْيُنِكُمْ مِنَ الشَّعَرِ، كُنَّا نَعْدُّهَا عَلَى عَهْدِ رسولِ اللَّهِ ﷺ مِنَ الْمُوِبقاتِ] خ٦٤٩٢. وقالﷺ: <تَجِدُونَ شَرَّ النَّاسِ ذا الوَجْهَيْنِ الذي يَأْتي هَؤُلاءِ بوَجْهٍ، ويَأْتي هَؤُلاءِ بوَجْهٍ> خ٣٤٩٤، م٤٠٦٢، هكذا جعله البخاري في الثناء على السلاطين، وهو على عمومه. ● تنبيه: ما لم أخرجه من الآثار فهو في البداية والنهاية لابن كثير أو السير أو التاريخ للذهبي، والحمد لله كثيرا.

6 17) منزلة الحاكم: إذا كان الحاكم فقيهاً من أهل الاجتهاد فهو بمنزلة أحد الفقهاء، ولا فرق بين كلامه قبل الحكم وبعده. فلا يجوز للحاكم في المسائل الخلافية أن يُلزم الناس بقول بلا حجة من الكتاب والسنة باتفاق المسلمين، فكيف بالذي يمنع الواجب كالجهاد بالمال واللسان، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، ومناصرة المجاهدين في غزة وغيرها؟ وكلام الحاكم قبل الحكم وبعده سواء، ورأيه بمنزلة الكتب المصنفة في العلم. وانظر الفتاوى٢٤٠/٣. كما أنه ليس له المنع بمقتضى مذهبه في المسائل الفقهية الخلافية، ومنع الاجتهاد، فكيف إذا منع الكلام في مقاصد الشريعة المتواترة؛ كالعدل والشورى والحرية وإحقاق الحق وإبطال الباطل؟ وكيف إذا كان الحاكم لا يُحسن قراءة الفاتحة مجوّدة، ولا يعلم من الفقه إلا ما أُشرب من هواه؟ 🚫 قال ابن تيمية: إذا كان السلف قد سموا مانعي الزكاة مرتدين - مع كونهم يصومون ويصلون ولم يكونوا يقاتلون جماعة المسلمين- فكيف بمن صار مع أعداء الله ورسوله قاتلا للمسلمين(ف٥٤٨/٣+٥٣١/٢٨). 🌎 قال ابن تيمية: إذا كان القلب معمورا بالتقوى انجلت له الأمور وانكشفت، بخلاف القلب الخراب المظلم، قال حذيفة: إن في قلب المؤمن سراجا يزهر، وفي الحديث الصحيح:  إن الدجال مكتوب بين عينيه كافر يقرؤه كل مؤمن؛ قارئ وغير قارئ. فدل على أن المؤمن يتبين له ما لا يتبين لغيره، ولا سيما في الفتن، وينكشف له حال الكذاب الوضاع على الله ورسوله؛ فإنَّ الدجال أكذب خلق الله مع أن الله يجري على يديه أموراً هائلة، ومخاريق مزلزلة، حتى إن من رآه افتتن به، فيكشفها الله للمؤمن حتى يعتقد كذبها وبطلانها. وكلما قوي الإيمان في القلب قوي انكشاف الأمور له، وعرف حقائقها من بواطنها، وكلما ضعف الإيمان ضعف الكشف، وذلك مثل السراج القوي والسراج الضعيف في البيت المظلم. (ف٤٥/٢٠). 🔥 سؤال: لماذا أكثر حفاظ القرآن والحديث وفقهاء الأمصار في زمن أواخر الصحابة من الموالي؟ والجواب: لأن أهل القبائل من العلماء والفقهاء والمحدثين يصنعون المجد في حاضرهم بالجهاد ليكون تاريخاً حافلاً بالبطولات، وليس عندهم من الوقت ما يجلسون به للعلم، فلو استعرضت حياة الصحابة الذين تجاوز عددهم مئة ألف مع النبي ﷺ في حجة الوداع لا يُعرَف العلم عن مئة منهم، وقل ألف حتى لا يغلّطك أحد، ومع ذلك لا أحد منهم يتخلف عن معركة للإسلام حاضرة، بل حتى الصبيان كانوا يردونهم عن المعارك لصغرهم كما حدث لابن عمر والبراء وأبي بن كعب في معركة أحد وغيرها، وأحياناً يأخذونهم لها ليعتادوا كما فعل الزبير بابنه في فتوحات الشام. ✍ الخلاصة: لا تجد فريضة قصّر فيها العلماء في هذا الزمان كفريضة الجهاد وبيان الحق للناس، وعدم تلبيس الحق بالباطل، وإنزال الطاغية منزلة ولي الأمر والخليفة، "فالمعاني التي تحبها الملائكة لا تدخل قلباً فيه أخلاق الكلاب المذمومة، ولا تنزل الملائكة على هؤلاء". الفتاوى٥٥١/٥. "وكل قولٍ  ينفرد به المتأخر عن المتقدمين  ولم يسبقه إليه أحدٌ فإنه يكون خطأً". (ف٥٦/٢)، فمن من الصحابة والتابعين والأئمة في القرون المفضلة أجاز أن يكون للمسلمين أكثر من حاكم، وأكثر من دولة؟ غفر الله لنا تقصيرنا، فالواجب كبير وخطير، إن لم يقطع الرقاب، فإنه يعرّض دنيانا للدمار والخراب.