"هجّاس"..

وأيضاً: ليس له منَّة الاستماع، ولاكن لي منّة القول.

لا أنفك أذكّر أخي الجالس قبالتي كلما ناديتُه لأقرأَ عليه بيتاً أطربني وأذهلني وأسكرني، أنّي أفعل ذالك اضطراراً لا شوقاً إلى الحديث معه.

قال البوصيري: فكيفَ تُنْكِرُ حُبَّا بعدَ ما شَهِدَتْ بهِ عليكَ عدولُ الدَّمْعِ والسَّقَم. وربما أخذ معناه من قول أبي الطيّب السابق. وقولُ أبي الطيّب من قول الآخر: أوَ ما كفاكَ تغيُّري ونحولُ جسمي شاهدا.

شيبُ رأسي وذِلَّتي ونُحُولي ودُمُوعي على هواكَ شُهُودي _أبو الطيّب.

يقول: جمعتْ بين جسم أحمد -يعني نفسه- والمرض. وبين جفونه والسّهر. وأحمدُ هنا هو أبو الطيّب، وذكرت اسمه دون كنيته لأنه يوافق اسمي، بل كان في نفسي أن أكتب (أحمد العبد) لأن اسم أبي الطيب: أحمدُ بنُ الحسين بنِ الحسن بنِ عبد الصمد. أما العبدُ في نسبي فهو (عبدُ العزيز) ولكنه اشتهر بـ (العبد). ثم أنا وأبو الطيّب كلانا من سعد العشيرة من مذحج غير أنه جُعفي وأنا زبيدي.

جمعتْ بين جسمِ أحمدَ والسُّقم وبين الجُفونِ والتَّسهيدِ _أحمد

وأين الخليُّ من الشجيّ!

‏﷽ ‏ ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ ‏

كيف لـ (أووف) عراقية واحدة أن تبعث ها ذا الكم الهائل من الشجن والحنين، وأن تبعث الصور من مراقدها حتى يغيب ما تراه العين وتصير صور الذاكرة أوضح مما تقع عليه الحواس.. الشروق، الفرات، طريق الوادي، جدتي وشاي الصباح، الفراتيات حاملات دلاء الحليب، أشجار السرو والحور، الماء في السواقي، تنانير الطين، الندى على ورق النبات، نسيم على عتبة باب بيتها، وأنا أحمد أجيل نظري بين تلك المَشاهد كلها!