مختارات

زار ابن بطوطة البصرة وحضر فيها صلاة الجمعة في جامعها الكبير وذكر أن الخطيب سرد الخطبة ولحن فيها لحنًا كثيرًا جليًا، فتعجب منه وذكر ذلك لقاضيها الذي قال: إن هذا البلد لم يبق به من يعرف شيئًا من علم النحو! قال ابن بطوطة: وهذه عبرة لمن تفكّر بها، سبحان مغير الأشياء ومقلّب الأمور، هذه البصرة التي إلى أهلها انتهت رياسة النحو، وفيها أصله وفرعه، ومن أهلها إمامه [سيبويه] الذي لا ينكر سبقه.

الطريقة الرفاعية! ذكر ابن بطوطة أنه زار قبر أحمد الرفاعي [كعادته التي لا يتركها في زيارة القبور والمشاهد] ومما شاهده هناك: ثم أخذوا في السماع وقد أعدّوا أحمالًا من الحطب فأجّجوها نارًا ودخلوا في وسطها يرقصون، ومنهم من يتمرّغ فيها، ومنهم من يأكلها بفمه حتى أطفأوها جميعًا!!

امتدح ابن بطوطة واسط وذكر أنها تميزت في عصره بتحفيظ القرآن وتعليم التجويد يقول: وأهلها من خيار أهل العراق، بل هم خير على الإطلاق، أكثرهم يحفظون القرآن الكريم ويجيدون تجويده بالقراءة الصحيحة وإليهم يأتي أهل بلاد العراق برسم تعلّم ذلك. وكان في القافلة التي وصلنا فيها جماعة من الناس أتوا برسم تجويد القرآن على من بها من الشيوخ، وبها مدرسة عظيمة حافلة فيها نحو ثلاث مائة خلوة ينزلها الغرباء القادمون لتعلم القرآن!

من أخبار السلطان الملك الناصر حسن بن السلطان الملك الناصر محمد بن السلطان الملك المنصور قلاوون، رحمهم الله، أنه زار مرة خانقاه والده السلطان الملك محمد الناصر، وذلك في ذي القعدة سنة 761 ، وقابل الصوفية المقيمين فيها، وكان فيهم شيخ الطائفة القلندرية، وكان هذا الشيخ محلوق اللحية، فاستدعاه السلطان وأنكر عليه حلق لحيته واستتابه، وكتب له توقيعا سلطانيا منع فيه هذه الطائفة من تحليق لحاهم، وأن من تظاهر بذلك عوقب.

أنشد عبد القادر بن عمر البغدادي في «الخزانة» لبعضهم مُلمِّحًا إلى ما كان من رَهْن حاجب بن زرارة التميمي قوسَه عند كسرى، قاله في مليحٍ قَلَندري قد حلق حاجبه: حبيبي بحقِّ الله قل ليَ ما الذي دعاك إلى هذا؟ فقال مجاوِبي: وعدتُّ بوصل العاشقينَ تعطُّفًا فلم يثِقوا واسترهَنوا قوسَ حاجبي! والقَلَندرية: طائفةٌ من الصوفيَّة كانوا يحلقون لحاهم وحواجبَهم وشواربَهم ويتزيَّوْن بزِيِّ الأعاجم والمجوس.

من الغرائب ما ذكره ابن بطوطة عن طريقة القلندرية أنهم يحلقون اللحية والحاجبين!

ذكر ابن بطوطة أن الركب العراقي والخرساني وسواهم ممن يصل مع الركب العراقي يقيمون في مكة بعد انتهاء الحج وسفر الركب الشامي والمصري، قال: فيكثرون الصدقات على المجاورين وغيرهم، ولقد شاهدتهم يطوفون بالحرم ليلًا فمن لقوه في الحرم من المجاورين أو المكيين أعطوه الفضة والثياب، وكذلك يُعطون المشاهدين الكعبة الشريفة، وربما وجدوا إنسانًا نائمًا فجعلوا في فيه الذهب والفضة حتى يفيق! ولما قدمت معهم من العراق سنة سبع وعشرين فعلوا ذلك كثيرًا، وأكثروا الصدقة حتى رخص سوم الذهب بمكة، وانتهى صرف المثقال إلى ثمانية عشر درهم؛ لكثرة ما تصدقوا به من الذهب!

ذكر ابن بطوطة صفة الصلاة في الحرم المكي وأن لكل مذهب إمام يصلي بطائفته، وصفة ذلك أن يصلي الإمام الشافعي ثم بعده المالكي والحنبلي كل واحد في جهة ثم بعدهما الحنفي. لكن هذا الترتيب لا يمكن في صلاة المغرب لضيق وقتها يقول ابن بطوطة: فيصلونها في وقت واحد كل إمام يصلي بطائفته، ويدخل الناس من ذلك سهو وتخليط، فربما ركع المالكي بركوع الشافعي، وسجد الحنفي بسجود الحنبلي، وتراهم مصيخين كل أحد إلى صوت المؤذن الذي يُسمع طائفته لئلا يدخل عليه السهو!

وصف ابن بطوطة المطاف في عصره فقال: وموضع الطواف مفروش بالحجارة السود محكمة الإلصاق … وسائر الحرم مفروش برمل أبيض، وطواف النساء في آخر الحجارة المفروشة.

أفاد أحد الكرام: "في طبقات ابن سعد: كان كلثوم بن الهدم رجلًا شريفًا وكان مسنًّا، أسلم قبل مقدم النبي ﷺ المدينة، فلمّا هاجر نزل عليه. وكان يتحدث في منزل سعد بن خيثمة، وكان يسمّى: منزل العُزَّاب".