نُقطة نِظام ٣٥
لن أُوَقّعَ!
البارحة حلَّ وزيرُ الماليّةِ الألمانيّ "كريستيان ليندنر" ضيفاً على برنامجٍ حِواريٍّ في التلفزيون الرسميِّ للدولة، على خلفية عزم المستشار الألمانيِّ "أولاف شولتز" توسعة مقرِّ المستشاريَّةِ في برلين ليشملَ مهبطَ طائرة مروحيّة، ونوادٍ رياضيّة، وستكون تكلفته هذه التوسعة ثمانمئة مليون يورو!
هاجم وزيرُ الماليَّةِ قرارَ مستشارَ البلادِ، وقال: لا حاجة لهذه التوسعة، مبنى المستشارية يفي بالغرض، ولن أوقِّعَ على هذا المشروع!
سألته المذيعة التي تُحاوره: ألا تعتقد أن المستشار قد لا يرضيه قراركَ هذا؟
فقال لها: بالطبع سيكون المستشارُ مستاءً، ولكن هذا هو عملي، أن لا أضع أموال المواطنين في مشاريع لن يستفيدوا منها!
لا شكَّ أنكَ وأنتَ تقرأُ هذا الخبر وتقيسه على واقع الحال فسيبدو لكَ كأحد أفلامِ الخَيال العِلميِّ! ولكنك لو قلَّبْتَ صفحاتِ تاريخنا لوجدتَ أنَّ هذه المواقف أكثر من أن تُحصى!
خُذْ عندكَ مثلاً عمر بن الخطاب، أكثر الحُكّام في التاريخ حزماً وعدلاً، صعد المنبر يوماً ليُحدِّدَ المهور بعد أن ساءه مغالاة الناس فيها، وخشيَ أن يُؤدي ذلك إلى عزوف الشباب عن الزواج، وبالتالي عن العِفّة! ولكن الشفاء بنت عبد الله قالت له : لا يحِلُّ لكَ هذا يا أمير المؤمنين! إن الله تعالى يقول: "وَإِنْ أَرَدتُّمُ ٱسْتِبْدَالَ زَوْجٍۢ مَّكَانَ زَوْجٍۢ وَءَاتَيْتُمْ إِحْدَىٰهُنَّ قِنطَارًا فَلَا تَأْخُذُواْ مِنْهُ شَيْـًٔا ۚ أَتَأْخُذُونَهُۥ بُهْتَٰنًا وَإِثْمًا مُّبِينًا"
فما زاد عمر على أن قال: أصابت امرأة وأخطأ عمر!
للأسف إن الكثير من الطَّوام التي تُعاني منها بلادنا من المحيط إلى الخليج مسؤول عنها حاشية الحُكّام، لأنهم آثروا المناصب والثروات على مصالح الأوطان! وصاروا طبّالين لا ناصحين!
الحاكم نهاية المطاف إنسان، يجتهدُ، ويصيبُ، ويُخطىءُ! وهو للأسف حين يُخطىءُ لا يجدُ من يقولُ له: أخطأتَ!
يصورون له كلَّ قرار على أنه وحيٌّ قد أتاه، وكل تصرِّفٍ منه على أنه عِصمة قد رُزِقَها، ومرَّة بعد مرَّة، يترسَّخُ القانون الفرعونيُّ الخالد: "مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَىٰ وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ"!
نعم يُنصحُ الحاكم بأدب فللسلطان مكانته، ويُؤخذُ على يده برفقٍ فللحُكمِ آدابه، وهذا من حُبِّ الحاكم والوطن!
أما دفن الرأس كالنعامة عند كل خطأ، وهزُّ الرأس كالضبِّ عند كل قرار، فهذا خيانة لله، وللحاكم، وللوطن!
أدهم شرقاوي
Show more ...