قَبس.

ونَوِّلنا فضيلة الرفق، وسماحة اللين، وهناءة الصفح. وعلّمنا كيف نكثّف إنساننا بتمثّل الرحمة، ونضيف لأعمارنا بقيمة الأثر، ونتلمس الصفو ولو التفّ بأيامنا الكَدَر. وكيف نقف وإن محّصتنا طوارئ الأمور في صف السريرة الكاشفة، والوجه الواحد، والمعدن الذي لا يتبدّل.

لا تحكم على المواجع حين تظلّلك، تبدو الأحزان حين تنزلُ بنا جليلة، موجعة، فادحة .. ثم ينزل اللطفُ والتسليم فتبدو أهون مما هيَ عليه، ثمّ تتبيّن خيرة الله فيها فيغشاك الرضا وتبتهج، ثمّ يُعظمُ لك الأجر نظيرَ صبركَ وجزاء إيمانك .. مشاهد من رحماتِهِ لا يبلغُها واصف، ولا يقومُ بها بيان.

‏قد تشعر بالضياع وترى الأقدار تجري بعكس ما أردت، وتعجز عن فهمها فضلًا عن حلها، لا تدري ما الذي يجب التمسك به أو التخلي عنه تيقن أن هذا العبث في ذهنك فقط، أما عند الله فهي في غاية الدقة والترتيب والحكمة كل شيء قُدر لك بوقته المناسب، وبالقدر المناسب، وبغاية الرحمة واللطف

أعظم طموح ينبغي على الإنسان أن يصل إليه ويرتفع به درجات؛ انشغاله بعلاقته مع الله! فوالله أقولها متيقنة من كان هذا مقصده وأصل اهتمامه ارتفع دينيًا ودنيويًا، فلا يلتفت إلى ما دون هذا المطمع العظيم، وتسمو نفسه وتأبى أن تخوض فيما لا يُحسن، وهذا هو الأصل.

أكثر ما يُعين المرء على إنجاز ورده القُرآني؛ تحديد ساعات معيّنة في يومه يلتزم بها، والتماس أكثر وقت تكون فيه النّفس مُقبلة، كساعات الصّباح الأولى، ثمّ يأتي دور الأوراد الشرعية المُعينة للإنجاز، كالحوقلة والاستغفار، وعموم الأذكار التي يلتمس منها معنى البركة.

عن حبّه ﷺ: ‏لما قالت عائشة: "وارأساه" قال النبي ﷺ:"بل أنا وارأساه" ‏فلمّا اشتكت إليه رأسها أخبرها أن بمحبِّها من الألم مثل الذي بها، وهذا غاية الموافقة من المحبِّ ومحبوبه، يتألم بتألمه ويسرُّ بسروره حتى إذا آلمه عضو من أعضائه آلم المحبّ ذلك العضو بعينه. ‏-ابن القيم